من كان بلا جرم، فليرمي بوتين بالحجر الأول
منذ القرن السابع عشر لم يتوقف فلاسفة الغرب عن التغني بالحرية، والعدل والمساواة كقيم لا محيد عنها للرجل الأوروبي الأبيض.
منذ نفس التاريخ، يقوم نفس الغرب بعمليات استعمار كبرى وسطو على أراضي يملكها من البشر من هم غير اوروبيين.
هكذا، تمتد فرنسا الحرية والمساواة والأخوة داخل القارة الأفريقية وفي أمريكا الجنوبية فيما تسميه أراضي ما وراء البحار.
في بولينيزيا وفي غويانا وأماكن مختلفة. أمريكا تضع قدمها في هاواي وكوانتانامو وجزر أخرى.
إسبانيا هي الأخرى، تصر على البقاء فوق التراب المغربي في سبتة ومليلية وقبالة سواحله الشمالية والأطلسية في الجزر المتناثرة على الساحل الإفريقي.
معاجم العالم تسمي هذا استعمارا. الدول الغربية تطلق عليه تواجدا، وتعتبره مشروعا بالتاريخ وحتى بالجغرافيا، فهي من يتحكم في القانون الدولي ومن يوزع شواهد الولادة حين ترى أن ذلك مفيد لها ولمصالحها.
الدول الغربية سبق وأن كلفت موظفين اثنين يحملان إسما سايكس وبيكو ليخطا حدودا كاريكاتورية في شرق المتوسط، خلفت فيما بعد خرائط متناقضة ومثيرة للخلاف بين أصحاب الأرض الحقيقيين.
عند نهاية الحرب الدموية الثانية داخل أوروبا، وفرت حكومات الدول الغربية المنتصرة محاكمات حقيقية ومحترمة لزعماء النازية المسؤولين عن خسارة ملايين الأرواح.
نفس الدول، أجازت بالنيابة للمرتزقة أن يفعلوا ما بدا لهم من حماقات مقززة بقادة دول غير أوروبية، لا لشيء سوى أن مسرح الأفعال يقع خارج أوربا وامتداداتها الغربية.
خلال أحداث ليبيا فيما سمي سخرية بالربيع العربي، لم تتردد طائرات الناتو في قصف رئيس الدولة الشرعي، والسماح لشرذمة قتلة بالتنكيل به وعرض جثثه وكأن الأمر يتعلق بقاطع طرق، أو كلبا مسعورا.
قبل سنين، سمحت نفس الدول بمحاصرة ممثل الشعب الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، داخل غرفة مظلمة لمجرد خلافه مع دولة الاحتلال. بعد أن تحمل ما لا يتحمله بشر، ظهر الرئيس الراحل مريضا، أشعثا وأقرب لمتشرد يائس منه إلى رجل دولة، حاصل على نوبل للسلام، ليسلم الروح في فرنسا بعد أيام معدودة.
مشهد دموي آخر لم يزعج الغرب أبدا: عملية إعدام وحشية لرئيس دولة العراق الأسبق، على المباشر وتحت الهتاف.
مجرم الحرب شارون صرح بعد مجزرة صبرا وشاتيلا: “غوييم يقتلون غوييم…” لمن لا يتقن العبرية، الغوييم هم باقي الناس غير اليهود.
البيض الأوروبيون في كفة مختلفة دائما، وبالقياس ينضاف إليهم حكام إسرائيل ومستوطنوها.
نعم، ما تقوم به روسيا اليوم من غزو بربري لدولة مجاورة هو فعل مدان دون أدنى تحفظ.
نعم، على المجتمع الدولي أن يكبح شهية أي دولة تتذرع بأسباب كيفما كانت لتقصف الحجر والبشر، وتقتل وتشرد.
بالموازاة، لازالت طائرات إسرائيل تحلق وتقتل وتغتال حينما تشاء، داخل سوريا وداخل لبنان، وربما حتى داخل العراق.
لا زالت الولايات المتحدة تحتفظ لنفسها بقواعد داخل سوريا دون إذن أحد ودون أدنى حرج، بحجة الدفاع عن امنها رغم وجود آلاف الكيلومترات بين البلدين. مقاييس القانون الدولي ليست نفسها لجميع شعوب الأرض.
على روسيا أن تنسحب من أوكرانيا، وعلى الغرب أيضا أن يتوقف عن الكيل بمكيالين وعن تغيير خارطة العالم، وحكومات الدول غير الغربية حسب مصالحه ومصالح شعوبه بشكل حصري.
أهم من ذلك، على الغرب أن يضع حدا لمشروعه التوسعي الذي لم يتوقف أبدا منذ أكثر من قرن، حتى لا يعطي ذرائع لمخبول أوروبي آخر، بعد هيتلر، الفرصة كي يحلم أن يصبح قيصرا جديدا.
على تفكير الغرب أن يتغير حقا لكي تصمت المدافع.
“ما يهم ليس فيما تنظر بل فيما تُبصِر.” هنري ديفيد ثورو، كاتب وفيلسوف (1817-1862).