من قانون “كل ما من شأنه” إلى مشروع قانون 22.20: استراتيجية البيجيدي للإجهاز على دولة الحق والقانون
منذ تحمل حزب العدالة والتنمية مسؤولية قيادة الحكومة في 2012، وهو يعمل جادا على وضع تشريعات قانونية تستهدف أسس دولة الحق والقانون وفصل السلط التي ناضل وضحى من أجلها الشعب المغربي منذ فجر الاستقلال. فالحزب إياه ترأس الحكومة وله برنامجان: برنامج حكومي مُعلَن ومتوافق بشأنه بين مكونات الأغلبية، وهو برنامج ظرفي وجزئي بالنسبة له، وبرنامج خَفِي تمت صياغته في دائرة حركة الإصلاح والتوحيد ثم إقراره في أدبيات الحزب وأجهزته التقريرية كاستراتيجية ثابتة تحكم مواقف الحزب وخططه وبرامجه داخل الحكومة (أطروحة المؤتمر السابع 2012).
وتتوخى هذه الاستراتيجية الإجهاز على المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي والانقلاب على أسسه القانونية والقيمية والحقوقية. فالحزب يحمل مشروعا مجتمعيا وسياسيا مناقضا للمشروع الذي يحمله الشعب المغربي ويناضل من أجله وتوافق بشأنه مع ملك البلاد الذي التزم في خطاب 29 ماي 2003 (وسيظل المغرب وفيا لالتزاماته الدولية مواصلا بقيادتنا مسيرة إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي بإيمان وثبات وإصرار). ومن أجل شرعنة وأجرأة هذه الاستراتيجية، نصت أطروحة الحزب على توفير الغطاء الديمقراطي وآلياته من داخل المؤسسات المنتخبة، ليس للدفاع عن الحريات والحقوق، بل للإجهاز عليها باسم الدفاع عن “المرجعية الإسلامية والهوية” اللتين جعلتهما أطروحة الحزب (من قضايا تدبير الشأن العام مما يقتضي التركيز على مقاربتها تشريعيا ورقابيا وترجمتها إلى إجراءات عملية واقعية في إطار برامج سياسية تطرح ديمقراطيا ضمن المؤسسات المنتخبة ذات الصلاحية).
فكل القرارات التي أجهز بها الحزب على الحقوق والحريات والمكتسبات الاجتماعية مرّرها عبر الآلية الديمقراطية داخل المؤسسة التشريعية . والحزب يدرك جيدا أثر الحريات الفردية والعامة على الرأي العام والارتقاء بوعي المواطنين، وهو ما يشكل تهديدا لاستراتيجيته. لهذا استهل ولايته الأولى على رأس الحكومة بتقديم مشروع المدونة الرقمية التي طرحتها الحكومة في 2014، لكن، وأمام المعارضة القوية التي واجهته، عملت الحكومة على تجزيئه وتمريره عبر أقساط حتى تُضعف المقاومة وتُقسِّم الكتلة الرافضة؛ ومشروع 22.20 هو جزء من المشروع الأصلي. ومن مخاطره أنه:
1 ــ خرق سافر للدستور الذي ينص في ديباجته على احترام وضمان حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا، فضلا عن الإقرار والالتزام بسمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية. والمشروع يصادر الحريات التي تقرها المواثيق الدولة التي صادق عليها المغرب، وفي مقدمتها الحقوق المدنية والسياسية والحريات الفكرية والثقافية.
2 ــ يقيم تمييزا بين المواطنين أمام القانون من حيث العقوبات على نفس الفعل مما يضرب مبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور. فالمادة 4 من المشروع تنص على عقوبتين مختلفتين لنشر نفس المادة الإعلامية “المخافة للقانون” من طرف شخصين أحدهما صحفي؛ إذ تتابع الصحافي بقانون الصحافة ما يجعل عقوبته مخففة، بينما تتابع الفاعل الثاني بالقانون الجنائي ما يجعل عقوبته مشددة. وهذا يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون الذي تنص عليه المادة 6 من الدستور.
3 ــ يجعل عقوبة الدعوة إلى مقاطعة المنتوجات أخطر من التحريض على ارتكاب الجنايات. فالمادة 17 تنص على عقوبة تتراوح بين 6 أشهر و 3 سنوات سجنا في حالة الدعوة إلى المقاطعة، بينما في الحالة الثانية تتراوح العقوبة بين 3 أشهر وسنة.
4 ــ يستهدف مقاومة المجتمع السلمية لأساليب الغش والتزوير والارتشاء والفساد والاستبداد بعد أن أثبتت مواقع التواصل الاجتماعي فعاليتها في التصدي لها مما فرض، مرارا، على الحكومة التراجع عن بعض قراراتها أو فتح التحقيق حول خروقات وتجاوزات معينة في حق مواطنين .
5 ــ يبعث الروح في قانون “كل ما من شأنه” البغيض الذي ارتبط بسنوات الرصاص، وكان عنوانا للقهر والاستبداد. فالحكومة، بهذا المشروع، تعاكس التطور السياسي والحقوقي والمجتمعي للمغرب الذي جعل النظام والقوى الحية يتوافقان على المصالحة وطي صفحة الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتريد الزج بالمغرب في صراعات داخلية هو في غنى عنها، بل ما أحوجه إلى كل الجهود التي تقوي لحمته الداخلية وتعضد إجماعه الوطني الذي بلورته المعركة ضد جائحة كورونا .
6 ــ يُدخل الدولة في معارك إدارية وقضائية دونكيشوتية ضد شبكات التواصل الاجتماعي بحيث ينص مشروع القانون في المادة 6 على فرض الوصاية عليها باشتراط حصولها على الترخيص من الإدارة أو الهيئة المعنية علما أن هذه الشبكات لا وجود مادي لها بالمغرب ويستحيل على الدولة المغربية أن تفرض سلطتها خارج ترابها الوطني. الأمر الذي سيبدد جهود الدولة المادية والبشرية ويشوه صورة المغرب عالميا.
إذن، سيظل حزب العدالة والتنمية يعرقل إرساء أسس دولة الحق والقانون بكل الأساليب بما فيها توظيف المؤسسات الدستورية. فكل المشاريع القانونية التي قدمها تخدم استراتيجية الإجهاز على المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي وتعطيل الدستور(مشروع القانون الجنائي الذي يتعارض مع الدستور والتزامات المغرب الدولية) . لهذا لا يكفي أن تعيد الحكومة مشروع قانونها هذا إلى مساره التشريعي المؤسساتي عبر مناقشته في لجنة التشريع وعرضه للمصادقة على البرلمان، بل لا بد من التشاور بشأنه مع الأطراف المعنية وفق ما ينص عليه الدستور (مؤسسات حقوق الإنسان، نقابة الصحافة، المهنيين والمتدخلين في القطاع، المنظمات الحقوقية..)، وتأخذ في الاعتبار تطلع الشعب المغربي إلى الحريات والحقوق والعيش الكريم. فيكفي معاناة المغاربة من التهميش والفقر والبطالة والجهل والأمية، وهي القضايا التي تستوجب من الحكومة بذل وسعها في التفكير والتخطيط والاجتهاد للقضاء عليها وتوفير مستلزمات الكرامة والإمكانات المادية والتقنية لإنجاح التعليم عن بعد الذي كشفت الجائحة أن جزءا مهما من المغاربة يعيشون خارج العصر الرقمي.
حكومة النكوص والإفلاس تصر على تخييب آمال الشعب في مغرب أفضل ما بعد كورونا.