من عامل نظافة إلى رجل أعمال: كمال نفة، “مجوِّع” الاسترزاقيين يحكي تفاصيل “الحرب” ضده
كمال، أو “ولد نفة” ذو الـ 42 عاما، كما يناديه معارفه، هو مواطن أحفيري المولد والنشأة، رست به الأقدار الإلهية في فرنسا لتحتضنه جدران جامعة “رين” بين جنباتها سنة 2000 وتمنحه صفة طالب، ليجد نفسه بعد ذلك مجبرا، نتيجة لقساوة الظروف المادية وجها لوجه مع عالم العمل، وما أدراك ما إيجاد عمل شريف بديار المهجر.
كمال، شاب عصامي يختصر طموح وكد الشباب المهاجر في أقصى تجلياته، قاسى وعانى لكنه ثابر وتفانى، لم يرفض الشغل الشريف، فمن مهنة التنظيف وإخراج القمامة إلى رجل أعمال ومالك لشركات في فرنسا والمغرب، ولم ينتهي به الأمر أن يختصر حياته في جني الأموال والربح، بل جعل معنى لحياته الموازية في العمل الجمعوي والرياضي، فأصبح شغله الشاغل. ترأس ولا زال عدة جمعيات خيرية واجتماعية ورياضية. لكنه أصبح يأدي ثمن النجاح غاليا، إذ صار نجاحه وتفوقه مثار مشاكل بل وشكوك، وحملات مضادة له داخل وخارج المغرب، لكنه لم يستسلم. كمال يحكي لنا عن مسار مهاجر نموذجي بوجه مكشوف، ودون رتوشات، مرة منتقدا الوضع ومرة متذمرا منه، في حوار شيق كشف فيه النقاب عن وضع الجالية المغربية بفرنسا واستثمارها بالمغرب و”ميكانيزمات” وكواليس العمل الجمعوي والرياضي.
ــــــــ
كيف تعلق على معاداة الأجانب بفرنسا مع اقتراب الرئاسيات؟
كمال نفة: الموضوع الدسم الذي يثير اهتمام شريحة جميع المتابعين بفرنسا هو المسلمين والجالية العربية، فأي رئيس أو أي مرشح للانتخابات الرئاسية إلا ويتخذ من موضوع المهاجرين مطية من أجل النجاح في الانتخابات، لكن رأيي الشخصي ألا يكترث المهاجرون لذلك وأن يواصلوا حياتهم الطبيعية، أنا أتجاهل كل ما يقال في الصحافة الفرنسية بهذا الخصوص رغم توفري على الجنسيتين المغربية والفرنسية.
هل على الجالية المغربية أن تبقى مكتوبة الأيدي، أو التحزب أو الاحتجاج السلمي؟
كمال نفة: طبعا الاحتجاج السلمي وخلق جمعيات للمساندة والدفاع عن هذه الشريحة من المجتمع، أما التحزب، فلاحظنا أن هناك الكثير من المغاربيين الفرنسيين من بينهم مغاربة تحزبوا وصاروا وزراء لكن لم يكن لهم دور كاف يلعبونه في هذه الحكومات، صاروا بيادق تضعهم السلطة في الأماكن التي تريدها لإسكات الرأي العام، وأكرر، طبعا، أنا مع خلق جمعيات للدفاع عن هذه الشريحة من المجتمع.
هل زاد وضع المهاجر المغربي تقهقرا مع تفشي داء كورونا؟
كمال نفة: الوضع بقي كما هو، فالوباء كانت نتائجه ظاهرة على الجميع، ولاحظنا أن تزايد قيمة التحويلات المالية التي أرسلها هؤلاء في سنة 2020 قدرت بـ 45 مليار درهم.
هذا إذا تحدثنا فقط عن المقيمين بطريقة شرعية لكن هناك فئة تعيش في الظلام دون وضعية قانونية. أما التحويلات فتعود لإغلاق الحدود والإجراءات الاحترازية.
كمال نفة: فعلا المغاربة المقيمين بالخارج في وضعية غير قانونية، تأزمت وضعيتهم بعض الشيء مع انتشار كورونا، عانوا إلى درجة أن بعضهم كانوا يتسولون، وتدخلت جمعيات فرنسية ومغربية لتوفير الغذاء أو الأموال لتأدية إيجار مساكنهم، وفي هذا الإطار قامت جمعية كمال نفة الخيرية التي أترأسها، بتوزيع الغذاء على هؤلاء وعلى الطلبة وتخصيص مبلغ 150 أورو لكل شخص منهم من مجموع رصيد مالي قدر ب 11 ألف أورو. أما بخصوص التحويلات فعلا الكثير لم يتمكن من السفر للمغرب وفضلوا إرسال تحويلات للأهل والأحباب.
كيف تحول نفة من مستخدم في شركة النقل الباريزية إلى مقاول ورجل أعمال؟
كمال نفة: تحولي المهني لم يأتي يوم كنت أشتغل بالشركة الباريزية للنقل، والتي مكثت بها لمدة ست سنوات ثم تحولت إلى شركة السكك الحديدية كسائق قطارات لمدة سنة، لكني استقلت لأسباب شخصية، ثم عدت لسياقة الحافلات في مدينة رين. من بين الأسباب التي جعلتني أتجه لعالم المقاولات هو انني كنت عند طلب الإجازات السنوية أجد صعوبة في الحصول عليها وكانت رهينة إما بالرفض أو القبول، كنت مسيرا، وكأنني “عبد” لأحدهم من غير الخالق، لم أكن حرا في قرارتي، لذا اخترت عالم المقاولات، أنا هو رب العمل وأشغل نفسي، في مجال النقل الذي أعرفه وتمرست فيه لمدة تقارب 14 سنة، وتحصلت على بطاقة تخول لي ممارسة السياقة في السيارات السياحية إلى أن أسست شركتي الخاصة.
حتى لا يتوهم الشباب أن المهاجر يسهل عليه إيجاد عمل وشق طريقه بسهولة هل لك أن توضح أكثر كيف بدأت من الصفر؟
كمال نفة: في بداية مشواري كمهاجر، درست بالجامعة لمدة سنتين، ثم واجهت مشاكل مادية، علما أني يتيم الأب فامي هي من كان يساعدني وقتها ويرسل لي المال، وأيضا أشقائي بفرنسا لكن طبعا لا يمكنهم أن يمنحوني أجرا شهريا، كنت أقطن بالسكن الجامعي مع الطلاب لكن لم أستطع المواصلة وقررت في بادئ الأمر دخول عالم الشغل مع أخي في شركته كعامل للنظافة، إذ قمت بتنظيف الشوارع وإخراج حاويات الأزبال وتنظيف الزجاج وغيرها من المهام في هذا الميدان. ثم بدأت بعدها أبحث عن عمل أقل مشقة، فاشتغلت كحارس خاص وكمرافق للمشاهير وفي أمن ملاعب كرة القدم. بقيت على هذا الحال إلى أن تعرفت صدفة على شخص من مدينة فاس فأخبرته أنني أبحث عن عمل فوعدني بالتحدث إلى مشغله، وبالفعل اشتغلت كموزع للبضائع بإحدى الشركات ثم تفوقت في مباراة كسائق للحافلات بالشركة الباريسية للنقل وتحصلت هناك على رخصة سياقة ناقلات الوزن الثقيل.
كيف تقيم تجربتك المهنية التي ابتدأت من عامل نظافة إلى مقاول وصاحب شركات؟
كمال نفة: لا ادعي أن تجربتي ناجحة مائة بالمائة، فأنا لا زلت في بداياتي، منذ سنتين ونصف، فالحمد لله لدي ما يكفي للعيش الكريم ولا أريد الاغتناء، و اقوم بتأجير سيارتي عندما أتغيب، هي تجربة رائعة ولا زلت أفكر بمشاريع اخرى في فرنسا، لأنك لو استثمرت هنا فحقوقك محفوظة مقارنة بالمشاريع في أرض الوطن، إذ لدي مشروع مقهى بأحفير لكن يوم تم الإغلاق الاجباري بسبب جائحة كورونا لم يكن هناك اي تعويض من طرف السلطات، و كان علي أن أتحمل مصاريف الكراء و أجور المستخدمين و فواتير الماء والكهرباء، اعتبره مشروعا فاشلا، الشيء الوحيد الذي يثلج صدري هو كون المستخدمين تحصلوا على أجورهم كاملة و صاحب الإيجار توصل بمستحقاته. في المقابل، فرنسا منحتنا 1500 أورو شهريا للمقاولين، هنا يهتمون بالمقاولين عكس بلادنا العزيزة.
ما هو تقييمك لتشجيع الاستثمار بالمغرب، وخاصة بعد جائحة كورونا؟
كمال نفة: المغرب يسير في وتيرة تنموية متصاعدة بالنسبة للمقاولات وعالم الشغل، لكن نرغب أن تحمي السلطات المقاولين الشباب وتحمي أي شخص يرغب في الاستثمار في بلاده، أو أي مهاجر يفكر في العودة لأرض الوطن، فحب الأوطان من الإيمان، فالمشروع يمكن أن تقوم به في أي مكان في العالم، ولكننا نفضل أن نقيم مشاريعنا بالمغرب، فإذا تم تسهيل الأمور، فسيعرف البلد انتعاشة اقتصادية وتزايدا في اليد العاملة.
هل تعتبر العمل الجمعوي مكملا للمجهودات الرسمية أم أنه يعري ويفضح الواقع الهش؟
كمال نفة: العمل الاجتماعي والخيري، قبل أن يكون كذلك، فهو عمل سياسي، حتى في التاريخ الاسلامي، فإن عمر بن الخطاب عندما سمع طفلا صغيرا يبكي فقال لأمه أطعميه فقالت إني أفطمه لأن عمر لا يعطي المؤونة إلا للأطفال المفطومين، فقرر بعدها أن يمنح المؤونة حتى للأطفال غير المفطومين. فالخلاصة أن كل طفل مثلا يجب أن تكون له مؤونة ومساعدة وهذه سياسة.
يمكن أن نقول أن العمل الجمعوي يفضح أمورا كثيرة، فإذا لم تعطى الحقوق لذويها، فسينتشر الفقر و التهميش، ففي المغرب مثلا هناك طبقتين واحدة غنية و الأخرى فقيرة، حتى الطبقة الوسطى تكاد تنمحي و تطلب المساعدات منهم الموظفين. لكن أصعب شيئ في العمل الجمعوي الخيري هو أنك لا تستطيع أن تعرف بالضبط هل طالب المساعدات محتاج فعلا أم يبتز الناس، وهنا يكمن دور الدولة وتدخلها بشكل مباشر لمعرفة أحقية كل واحد في هذا الخصوص.
لماذا الطلاق مع جمعية اليد في اليد الخيرية؟
كمال نفة: هو راجع إلى عدم تحمل المسؤولية، فكمال نفة كان يتحمل كامل المسؤوليات في هذه الجمعية، فأصبحت بعض الأبواق المأجورة تتحدث عني بالسوء وتختلق اتهامات واهية بدون أي دلائل ملموسة، وأخذوا يتصلون بأعضاء الجمعية ويشوهون صورتي ويتهمونني، فكان لي اجتماع مع المكتب وقررت الانسحاب من الرئاسة والبقاء بالمكتب، وعليهم تعيين رئيس جديد، فأمهلتهم شهرا لكن دون نتيجة فقمت بحل الجمعية طبقا للقانون.
لماذا في كل تصريحاتك تذكر دائما أن العمل الاجتماعي الخيري بمدينة أحفير صعب جدا وأنك تفكر دائما بتغيير الوجهة؟
كمال نفة: كما يقال مطرب الحي لا يطرب، فعندما يقوم شخص ما من نفس المدينة بعمل ما فإن الكثيرين يحسدونه ويتمنوا لو أنهم كانوا مكانه، لذا فهناك البعض الذي يحاربنا من قلب أحفير، فلم يأتي أبدا أي شخص من مدن بركان أو وجدة ليحاربنا، والسبب أنني لا أحرمهم من “الخبزة” في أحفير، فالاسترزاقيون في كل مكان، لكن عندما يكون هؤلاء في مدينتك، ويكون اشتغالك بنية و صدق وتظهر النتائج أكثر من اللازم فوقتها يعلنون عليك بداية الحرب بأسماء مستعارة على (وسائط التواصل الاجتماعي) و وجوه مقنعة، لأنهم يعلمون أنهم سيكونون موضوع شكايات ومتابعات أمام المحاكم، وعليهم الادلاء بالأدلة.
فكمال نفة يحارب، من طرف كل هؤلاء، يتصلون بمن نقدم لهم المساعدات لتشويه صورتنا دون دليل ولا حجة، ومع الأسف كما قال الله عز وجل: “ومنكم سماعون لهم”، وبالتالي تلقى الشائعات اهتماما من طرف البعض.
كل هذا يعطي الانطباع أن كمال نفة بشكل أو بٱخر أصبح غير مرغوب فيه بأحفير من طرف جهات ما، كيف ذلك؟
كمال نفة: فعلا وهذا ما يلاحظ، الناس تحب الصالحين ولا تحب المصلحين، فعندما تكون صالحا يحبك جميع الناس لأنك تكون مصلحا لنفسك أما عندما تكون تطالب بالإصلاح، فهناك جهات معينة تبغضك وتحاول التشويش عليك، فلا يكمن أن يحبنا جميع الناس وهذا خير وفضل من الله، وهناك من يحاربونني ولكن لا يستطيعون شيئا ضدي. هم أحرار أن يكرهوا شخصي غير أنهم يشوهون صورتي ويتهمونني دون أدلة.
أحسن ان هنالك جهات رسمية لا تريد أن يكون كمال نفة في الواجهة، وهو ما لاحظناه عبر شكايات وهمية ضدي من مجهولين وللأسف فإن السلطات تعطي هذه الشكايات أهمية.
يلاحظ أن هذه الحرب تشمل فريق الغالية الذي تترأسه، هل هذا صحيح؟
كمال نفة: أولا، فريق الغالية، فريق حديث خلق لإعادة أمجاد نفس الفريق الذي أسس سنة 1937، و لكن يقولون في فريق اتحاد أحفير أن هذا الأخير هو الأقدم و بالتالي فريق الغالية حديث النشأة و سلب منه تاريخه، ففريقنا منذ تسع سنوات و هو في نفس المستوى إلى غاية موسم 2020/2019 يوم تم الاتصال بي لمساعدة المكتب بالانضمام للتسيير فوافقت أن أكون مستشارا فإذا بي أجد نفسي نائبا للرئيس، فاحتللنا المرتبة الثانية، لكن في الموسم الموالي انسحب الرئيس إذ كانت هناك مشاكل مالية لم يتم تبرير مصير صرفها، فتم اقتراح اسمي كرئيس للموسم 2020/2021، فٱزرت الفريق ماديا و معنويا و استطعنا تحقيق الصعود إلى القسم الأول الشرفي عصبة الشرق. ودائما في خصم الحرب المعلنة علي صاروا يتصلون بمن ساعدوا الفريق الموسم الماضي كي يمتنعوا عن ذلك، مدعين أن كمال يختلس مال الفريق بالرغم من وجود التقرير الأدبي والمالي وكل هذا كي لا نحقق الصعود للقسم الموالي. وأؤكد أن لدينا فريق جيد ولنا طموح لتحقيق الصعود للمرة الثانية على التوالي، لكن لدينا نقص في الموارد المادية، فالمجلس البلدي حرمنا من الدعم لموسمين بداعي كورونا لا ندري كيف سيكون الحال خلال هذا الموسم، صعدنا بفضل المحسنين والمحبين.
فريق الغالية عريق وتاريخ تأسيسه يعود لما قبل الاستقلال تم تأسيسه بموجب قانون الجمعيات الفرنسي لسنة 1901، وبعد الاستقلال أرادو تغيير الإسم لكن لم يعقدوا جمعا عاما من أجل ذلك بل من أجل خلق فريق جديد سمي اتحاد أحفير، ونبقى عند موقفنا أن فريق الغالية أحفير لم يتم تغيير اسمه بل تم أنشاء فريق ٱخر هو اتحاد أحفير. انشاؤنا لفريق الغالية كان على أساس إعادة الأمجاد لهذا الأخير.
الٱن أطالب ساكنة أحفير أولا والغيورين على الرياضة أن تساعد مثل هذه الفرق، ونتمنى أن تكون هناك انخراطات واشتراكات في النادي وشركات مستشهرة، ففي هذا القسم ليس هناك مساعدات ومنح الجامعة، كل ما نتحصل عليه هو مليوني سنتيم من مجلس الجهة، أما المجلس البلدي فالسلطة تمنحه ثمانية ملايين سنتيم كمنحة لنا لكن له حرية التصرف كما يشاء إذا كان لديه خصاص في قطاع معين. لذا أوجه نداء إلى أعيان الفريق أن ينظروا إلى هذا الفريق بعين رياضية ويساعدوه من أجل أن يكون لأحفير صيت كروي وأن يكون لها فريق تنافسي يمكنه مضاهاة المولودية الوجدية ونهضة بركان.
ماذا يعني لك الرقم 16؟
كمال نفة: (يضحك) هو رقم الدائرة الانتخابية بمدينة أحفير، أين انهزمت في الانتخابات البلدية، بفارق كبير، كنت بعيدا عن صاحب المركز الأول وحتى الثاني، تحصلت على 61 صوتا (رقم الدائرة مقلوب)، تلقيت وعود 147 ناخب أجزموا أنهم سيصوتون لصالحي، لكنه مجرد نفاق سياسي،
هي خيانة إذن أم تقصير الحزب في تدعيمك والدفع بك للفوز؟
كمال نفة: الإثنين معا، أولا حزب الاستقلال لم يقم بأي شيئ أو مساعدة اللهم مساعدة مادية بسيطة بمبلغ أربعة ٱلاف درهم من أجل مصاريف الحملة، فالحزب قصر كثيرا في دعمي. ثانيا كانت هناك خيانة من طرف أعضاء الحملة، كانوا ينقلون أسراري لخصومي من المرشحين.
ورغم أنني لم أكن ابدا أرغب في الترشح بهذه الدائرة، وكان من دفعني ووعدني بالدعم هم أنفسهم من خانني، أرادوا دعمي ومساعدتي، لكي اشتغل وأساعدهم بالدائرة، وتحويل مقر الجمعية التي أرأسها إلى هناك على مدار السنة وخارج الزمن الانتخابي.