كرونيك

من حقنا أن نحلم بدودة تصنع الحرير وتخفي فراشة ترتفع عاليا يوما ما

جوهر الأشياء ليس في ظاهرها، ولا في أسمائها.

داخل جسد دودة تبدو عادية، يختفي سر غريب. يمر وقت طويل بينما تحيط الدودة نفسها بخيوط حريرية تزداد كثافة حتى تتحول الى شرنقة غريبة تشبه كيس صوف صغير.

في يوم صحو جميل، تترنح الشرنقة، وتبدأ فيها حركة داخلية بطلها هو جوهر حياة الدودة السابقة.

تنفتح فجأة لكي تغادر منها الى الفضاء الرحب فراشة مكتملة، بألوان جميلة وجناحين يسبحان في الهواء بسلاسة وأناقة الفراشات. جوهر دودة القز هو الجمال. هذه الدودة فقط، أما الأخريات الكثيرات من فصيلة الدود، فقدرهن لا سر فيه ولا نهاية حياة عجيبة، بل زحف بئيس، يتلوه زحف بئيس الى نهاية القصة.

دُودًاً وُلِدْنَ، ودُودًاً سَيَنْتَهينَ. بين من يطير ومن يزحف برزخ يشبه فرق الحياة والموت. الأسماء لا تغير الجوهر ولا تصنعه.

في بداية الاستقلال، حملت وزارة التعليم اسم وزارة التربية الوطنية والشبيبة والرياضة والفنون الجميلة، وكان أول وزير للتعليم على رأسها هو محمد الفاسي؛ بعد أن كانت مجرد مديرية. ومن محمد الفاسي إلى سعيد أمزازي، تدفقت الأسماء مثل شلال جارف: وزارة التعليم الابتدائي، وزارة التعليم الثانوي، وزارة التربية الوطنية، وزارة التربية والوطنية والتعليم العالي، وزارة التربية الوطنية الشباب، وزارة التربية الوطنية والتعليم الثانوي والتقني، كتابة الدولة في التعليم المدرسي، وزرارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث والبحث العلمي…

يقول الكتاب المقدس المسيحي في سفر التكوين: “وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء فاحضرها الى ادم ليرى ماذا يدعوها وكل ما دعا به ادم ذات نفس حية فهو اسمها.” جوهر الأشياء إذن في اسماءها، أو هكذا أفهم حين يمنح لقبا جديدا في كل مرة لهته الوزارة التي يتغير اسمها دون توقف.

عودة إلى دودة القز، هي مشروع فراشة في كل الأحوال، بوسعها ان تطير، أن تحلق في السماء. هذا هو جوهرها. أما باقي الدود، العاجز دائما عن الطيران والتحليق، العاجز عن خلق الجمال وعن ابهار الناظر، فيظل ملتصقا بالحضيض، زاحفا طول حياته، مهما تغيرت أسماءه. صار الاسم الجديد لوزارة تتصدر مشروع النموذج التربوي الجديد، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.

لم يكن أحد ينتظر اسما جديداً أخر، الجميع كان يحلم ان يرى الفراشات تحلق، كان يحلم أن يبهر المغرب باقي العالم بألوان وأفكار جديدة.

جوهر التغيير في الأفعال، لا في الوعود الكاذبة والصور الخادعة.

جوهر النهضة التربوية ليس قطعا في تغيير الأسماء كذلك.

من حقنا أن نحلم هذه المرة بدودة تصنع الحرير وتخفي فراشة سترتفع عاليا يوما ما.

من حقنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock