من إلياس الطاهري إلى جورج فلويد
من إلياس الطاهري إلى جورج فلويد تمتد مسافة ظلم وغبن بحجم المحيط الأطلسي .
كبيرة، مرهبة ومظلمة.
قد تعودت شعوب العالم القديم تسمية امتداد الماء والزرقة هذا، ببحر الظلمات. قبل أن يعبره مغامر أوروبي أبيض صدفة ويحوله إلى عالم جديد يسمى أمريكا.
تاريخ أوربا وأمريكا تتراكم فيه جثث كثيرة تقطر دما.
استقدم المستوطنون الأوائل سكان أفريقيا، مكبلين وتحت السوط ليشتغلوا في مزارع القطن. ورغم أفول عصر العبودية أولا، ثم نهضة الحقوق المدنية خلال سبعينيات القرن الماضي، يصر أحفاد ركاب سفينة مايفلور على استرخاص حياة السود.
إسبانيا تفخر كذلك بذكرى تعذيب وطرد مسلميها للتفرغ بعد ذلك للفتك بهنود أمريكا. فيما يشبه جريمة تطهير إثني مكتملة الأركان على جانبي المحيط.
أحفاد ضحايا الطرد الجائر من مملكة قشتالة، سكان شمال المغرب، أعادوا بناء مجد ضائع في مدن تطوان وشفشاون.
منطقة الشمال أهدت للعالم خرائط ومؤلفات النابغة الشريف الإدريسي. إسبانيا، بالمناسبة تتمادى في اعتبار الشريف الإدريسي إسبانيا. وتنصب له تمثالا أنيقا بمدينة سبتة التي استولت عليها هي الأخرى وترفض مغادرتها .
أبناء وبنات الشمال تضطرهم الظروف للبحث عن عمل أو تجارة، سواء بمدينة سبتة المحتلة أو داخل إسبانيا، بينما يعاني سود أمريكا من عنصرية سائدة ترغمهم على امتهان ما لا يرغب فيه غيرهم.
إلياس الطاهري وجورج فلويد هما في الحقيقة ضحيتان للتاريخ وللجغرافية.
أما عناصر الشرطة المتورطين في خنق أنفاسهما، فقد قادتهما صدفة القدر للاستمرار في تنفيذ ما بدأه أجدادهم.
إلياس وجورج ينتميان لجزء مظلوم من الإنسانية. يستحق أبناء أفريقيا أفضل من موت رهيب، تحت ركبة جلاد لم يتخلص بعد من إرث عنصري واستعماري ثقيل وأسود.
لن تنال إسبانيا وأمريكا ما تبحثان عنه من احترام وتقدير كدولتين كبيرتين ومؤثرتين ما دام تاريخهما لازال ملطخا ببقايا الرق والإمبريالية .
حان الوقت أن تتنفس أفريقيا وأبناءها الهواء بكل حرية.