مدارات

منسوب “الأخونة” في ملصق وزارة الثقافة

استراتيجية أخونة الدولة التي ينهجها حزب العدالة والتنمية في المغرب منذ ما قبل رئاسته للحكومة وخلالها والتي مكّنته من التغلغل في مفاصل الدولة ستظهر آثارها على المدى القريب والمتوسط.

فالأخونة لا تعني بالضرورة جعل موظفي الدولة ومؤسساتها أعضاء في الحزب وموالين له، وليست تلك هي الغاية المقصودة؛ بل تروم التأثير على عقليات المسؤولين والموظفين بما يجعلهم يتأثرون بأطروحات الحزب فيصيرون أدواته في تمريرها وترجمتها إلى قرارات أو برامج إعلامية أو تربوية أو ثقافية .والتجربة الحكومية للبيجيدي أثبتت خطورة هذه الاستراتيجية في التطبيع مع العنف ضد النساء والتشجيع عليه. ويمكن الاستدلال على هذا المنحى بملصقين /إعلانين:

الأول: أصدرته  وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية سابقا، بسيمة الحقاوي، وجعلته عنوانا للحملة الوطنية 16 لمناهضة العنف ضد النساء التي أطلقتها يوم 26  نونبر 2018 تحت شعار “العنف ضد النساء ضصارة والسكات عليه خسارة”؛ وهو الشعار الذي أثار انتقادات حادة من طرف الجمعيات النسائية لكونه غير منسجم مع قانون العنف 103.13 كما هو منشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 12 مارس 2018، والذي يعتبر التحرش جريمة تترتب عنها عقوبات سالبة للحرية .شعار يعكس تصور البيجيدي للعنف ضد النساء والذي إما يشرعنه (الاغتصاب الزوجي حق شرعي للزوج لا يستوجب العقاب في ثقافة الحزب وعقيدته الإيديولوجية لهذا لم يجرّمه القانون)، أو يبرره بأن يلقي كامل المسؤولية على الإناث الضحايا في إثارة غرائز الذكور واستفزازهم بنمط اللباس أو السلوك. وهذا ينسجم مع الحملة التي أطلقها القطاع النسائي لحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية للبيجيدي، سنة 2008 تحت شعار “حجابي عفّتي”. فالشعاران معا يبرئان المتحرشين ويدينان الضحايا .

الثاني: ويتعلق الأمر بملصق حديث أصدرته وزارة الثقافة تحت شعار “لكي لا تتعرض للتحرش الجنسي الالكتروني تجنب مشاركة صورك الشخصية وأرقام هاتفك ومعلومات خاصة عنك مع أي كان”.

هذا الملصق أشد خطورة من ملصق بسيمة الحقاوي من حيث كونه يبرر التحرش الجنسي ويشجع عليه، وفي نفس الوقت يجعل الضحايا من الإناث مسؤولات عما يتعرضن له من تحرش وابتزاز واستغلال جنسي.

ملصق بهذه الحمولة “الإخوانية” الخطيرة يعكس مفعول استراتيجية “الأخونة” في تغيير نمط التفكير في صفوف المسؤولين. فالمسؤول عن قطاع الثقافة لا ينتمي لحزب العدالة والتنمية لكنه يتبنى تصوره للعنف والتحرش الجنسي.

إن استراتيجية “الأخونة” هذه تتكامل مع الاستراتيجية الفرعية الهادفة إلى “أسلمة” الفرد والأسرة. إذ لا يكفي أن تغير الوزراء وتسند الحقائب إلى أحزاب ليبرالية أو علمانية لتجفف منابع المنظومة الإيديولوجية التي سرّبها البيجيدي وبثّها في مفاصل الدولة وقطاعاتها الحيوية ومنها قطاع الثقافة، خصوصا إذا علمنا الحزب إياه يعتمد خطة من بُعدين لتحقيق “الأخونة”:

البعد الأول: ويتمثل في توظيف عناصره بالقطاعات الحكومية التي يشرف عليها وزراؤه حتى يتولوا تنفيذ الاستراتيجية بكل إحكام وبشكل “قانوني” ما دام القانون يسمح للوزراء بتعيين الموظفين تحت إمرتهم.

وبحسب الإحصائيات المسرّبة، فإن الحزب عيّن 1600 من عناصره داخل الإدارات والجامعات والمعاهد وحتى القطاعات التي لا يسيّرها (بنكيران عين القيادي البارز في حركة التوحيد والإصلاح في منصب مدير الشؤون القانونية بوزارة الإسكان التي كان يتولى حقيبتها محمد نبيل بن عبدالله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية). ومهمة هؤلاء الأعضاء، بالإضافة إلى تحسين أوضاعهم المادية كما سبق وأكد رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، تثبيت عناصر “الأخونة” وترجمة إيديولوجية الحزب إلى قرارات وإجراءات وقوانين، بالإضافة إلى جعلهم عيونا للحزب المبثوثة بالمواقع الحساسة، فضلا عن  عرقلة تنفيذ خطط حكومات أخرى لا تنسجم مع استراتيجية الحزب (أي يشكلون جيوب مقاومة الإصلاح).

البعد الثاني: إبعاد الأطر التي تقاوم استراتيجية “الأخونة” وتجعل الوطن فوق الحزب، وتعويضها بأطر متعاطفة مع الحزب أو على استعداد لخدمة استراتيجيته. فقد تناولت الصحافة الالكترونية حملة تصفية الأطر غير الموالية للبيجيدي ولا تخدم أهدافه، التي تقودها وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، جميلة الموصلي، داخل وكالة التنمية الاجتماعية، وتعيين أعضاء من الحزب أو أطر خدومة.

إن انخراط مسؤولي وزارة الثقافة، بوعي أو بدونه، في  خدمة استراتيجية البيجيدي يطرح أكثر من علامة استفهام حول السياسة الثقافية ومدى انسجامها من الدستور والقوانين. فكيف للوزارة أن تصدر إعلانا يبرر التحرش الجنسي ويطبّع معه، بدل أن تحيل على قانون العنف ونصوصه التي تجرّم التحرش الجنسي بكل أشكاله وأساليبه، ومنها الالكتروني، حيث ينص الفصل 1-1-503.- يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير في الحالات التالية:

1 ــ في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛

2 ــ بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية”.

لا شك أن وزارة الثقافة هي القطاع الذي يُفترض فيه أن يحسّس المواطنين بالقانون ضد العنف  وأن يرقى بالوعي المجتمعي ويهذّب سلوك المواطنين ويعزز قيم المساواة في الحقوق والكرامة والمواطنة، نجده يعطّل القانون ويكرّس العنف ويطبّع معه. لم تعد وزارة الثقافة إذن، القطاع الذي عليه أن يحرس ثقافة المجتمع ويكسبها المناعة ضد القيم السلبية الدخيلة التي تهدد نسيج المجتمع الثقافي والقيمي، ويدعم أسس دولة القانون والحريات، بل باتت قناة يمرر بها البيجيدي قناعاته الإيديولوجية وأداة يخدم بها استراتيجيته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock