مغالطات الريسوني في قضية الإجهاض1/2
لا تكاد تطرح قضية من قضايا المرأة في المغرب، أو تتم المطالبة بمراجعة مدونة الأسرة أو القانون الجنائي إلا ويتداعى الإسلاميون بالتجييش والمناهضة لكل تعديل أو تغيير يرفع الظلم عن النساء ويصون كرامتهن.
فما أن تناهى إلى علمهم أن الحكومة سحبت مشروع القانون الجنائي الذي أعده مصطفى الرميد ، وزير العدل في حكومة بنكيران، على مقاس الإسلاميين وملبيا لمطالبهم بشرعنة قتل النساء تحت ما مسمى “جرائم الشرف”، حتى استنفر إسلاميو البيجيدي وحركة التوحيد والإصلاح هياكلهم التنظيمية والدعوية والبحثية بهدف الضغط على الحكومة وترهيبها حتى لا توائم بين القانون الجنائي وبين الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب . هكذا خصص ويخصص الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، حيزا مهما للتحريض ضد المطالب النسائية والحقوقية التي ينبغي تضمينها في القانون الجنائي، في كلماته خلال المؤتمرات الجهوية للحزب.
نظم “المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة” ــ وهو أحد المراكز التابعة لحزب العدالة والتنمية ــ ندوة تحت عنوان “الإجهاض بين الحق في الحياة، وحرية التصرف في الجسد” يوم 29 مارس 2022 دعا إليها مناهضي الإجهاض، وعلى رأسهم الدكتور الريسوني الذي لم يكتف بتقديم جملة من المغالطات ليبني عليها موقفه الرافض للإجهاض، بل وجه سهام نقده إلى اللجنة الملكية التي تشكلت من وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان لإطلاق مشاورات موسعة والاستماع لكل الآراء حول الموضوع .
وانتهت اللجنة إلى ترخيص الإجهاض في أربع حالات استثنائية (حالة الأم في وضع صحي خطير ومحقق، حالة الاغتصاب، زنا المحارم، والتشوهات الخلقية المحتملة للجنين).
ورغم كون هذه الحالات لا تمثل سوى 2 % من حالات الإجهاض، إلا أن الريسوني دعا، خلال الندوة، إلى حذف حالة زنا المحارم من الاستثناءات (إن هناك فرقا حاسما بين الاغتصاب وزنا المحارم. زنا المحارم هو زنا اختياري. فالمفروض أن يكون فيه من التشديد مثل غيره أو أكثر.
أما المغتصَبة فهذا أمر آخر … ولذلك لا ينبغي الكلام في زنا المحارم أبدا مادام زنا إراديا من الطرفين). وهذه واحدة من مغالطات الريسوني الذي يبدو أنه يتجاهل الواقع الاجتماعي المغربي؛ إذ تكاد تكون كل حالات زنا المحارم اغتصابا تحت التهديد أو الخوف من الفضيحة أو تدمير الأسرة. وليعلم الريسوني أن معظم الحالات تم التبليغ عنها من طرف الضحايا وأمهاتهن، مما ينفي الطابع الإرادي عن الجريمة. أما المغالطة الثانية في كلمة الريسوني فهي ادعاؤه أن (الدفاع المتحمس لفتح أبواب الإجهاض وراءه السعي المحموم لما يسمي بحرية الجسد باعتبار أن الحمل يشكل عبئا على حرية الجسد، والمقصود بحرية الجسد هو الممارسة الجنسية.. هو حريته في ممارسة النشاط الجنسي والشهوة الجنسية). إنه إنكار للمآسي التي تكون الأمهات ضحايا لتجريم الإجهاض بسبب لجوئهن إلى الإجهاض السري غير الآمن. فقد أورد تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن 13 % من مجموع حالات وفيات الأمومة المسجلة بالمغرب، ناجمة عن عمليات الإجهاض غير الآمن. إحصائيات لن يعيرها الريسوني أي اهتمام طالما لا يقر بحق الأم في إيقاف الحمل إراديا.
المغالطة الثالثة تتمثل في زعمه أن (المجتمعات التي فتحت الأبواب على مصاريعها في العلاقات الجنسية اللامسؤولة والشهوانية غير المحدودة كلها تعاني … ليس هناك أي هدف وأي خدمة للمجتمع ولا للحضارة ولا للتنمية ولا للأخلاق ولا للأسرة في فتح أبواب الإجهاض). فليقدم لنا الريسوني أوجه معاناة تركيا والدول الإسكندنافية وألمانيا وبريطانيا مثلا؟ هل يتم رمي الأطفال في القمامات أو التخلي عنهم بالشوارع في هذه الدول مثلما يحدث في المغرب؟ هل يُحرَم الأطفال المولودون خارج إطار الزواج من الحقوق والهوية التي يُحرم منها الأطفال في وضعيتهم بالمغرب؟ هل تتبرأ تلك المجتمعات من الأمهات العازبات كما هو الحال في المغرب؟ هل يعاقب القانون الجنائي في تلك الدول الأمهات العازبات مثلما يعاقبهن القانون الجنائي المغربي؟
إذن، من يتسبب في المآسي وتشريد الأطفال ودفع الأمهات العازبات إلى الانتحار أو الإجهاض غير الآمن، أو الانحراف؟ أليس القانون الجنائي وفتاوى الفقهاء المتشددين؟ لا غرو أن تجريم الإجهاض وتجريد الأطفال خارج مؤسسة الزواج من هويتهم وحقوقهم هما السبب المباشر الذي يجعل مجتمعنا يعاني مما لا تعانيه المجتمعات التي رفعت التجريم عن الإجهاض والعلاقات الرضائية، من عدة ظواهر، منها “الأطفال المتخلى عنهم”، والذين تتزايد أعدادهم بشكل كارثي.
فحسب تقرير لـ”الجمعية المغربية لليتيم” فإنه يتم “التخلي عن 24 طفلا في اليوم بما يصل إلى 8640 في السنة” .وتتوقع الجمعية أن يصل عدد الأطفال المتخلى عنهم في أفق 2030 إلى 86 ألفا و400 طفل لا يتعدى سنهم 10 سنوات، و155 ألفا و520 طفل متخلى عنه لا يتعدى 18 سنة”.إن الواقع الاجتماعي يثبت فشل الفتاوى الفقهية والقوانين الزجرية في منع الإجهاض رغم العقوبات الشديدة ؛ بحيث تكشف الإحصائيات التي قدمتها الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري ، في 2021 ، أن عدد عمليات الإجهاض السري بالمغرب تتراوح بين 50 ألف إلى 80 ألف حالة، بمعدل 200 عملية يوميا، فيما تسبب هذه العمليات وفيات لأمهات بنسبة تصل إلى 4.2 في المائة، و نسبة 5.5 في المائة من الوفيات بسبب مضاعفات بعد الوضع.أما الدراسة الميدانية التي أنجزتها جمعية “بيبي ماروك ”بعنوان: “مغرب الأمهات العازبات“، فقد كشفت عن كون 153 طفلا يولدون يوميا خارج مؤسسة الزواج في المغرب. إذن ماذا أعد الريسوني وكل مناهضي الإجهاض لهؤلاء الأطفال المتخلى عنهم وفاقدي الهوية؟ هل يُطعمهم التجريم من الجوع أو يُؤويهم التحريم من التشرد؟