مشالي لم يمت
لا شك ان الطبيب مشالي ابتسم عندما سمع إشاعة وفاته.
حتما، الأساطير لا تموت.
يستحق هذا الرجل أن تقف له الإنسانية جمعاء وقفة إجلال. فهو يداوي أبناء جلدته بمقابل بسيط وأحيانا كثيرة بالمجان.
انتزع عن جدارة لقب طبيب “الغلابة” و تحول إلى قديس حقيقي حين قاوم رغبة إنسانية صرفة في الاغتناء وكسب المزيد من المال.
قد يتساءل أي منا عن دوافع ولوج مهنة تتطلب سنوات لا تنتهي من الدراسة وصبرا وتحملا كبيران لتحقيق غاياتها النبيلة.
ربما يطمح كل صغير وصغيرة أن يصبح طبيبا. صورة الطبيب تجذب الحالمين الصغار مثل مغناطيس وسط كومة مسامير.
بالطبع، لا ينال هذا اللقب إلا ثلة نبيهة ومتفوقة. الطريق صعب وشاق.
في السبعينات، كان يشاع أن هذه المهنة حكر على بورجوازية مدينية محظوظة. وربما بعض من هذه الإشاعة كان صائبا إلى حد ما. أسماء الأطباء والطبيبات في فترة ما بعد الاستقلال كانت تحمل رنة واحدة لا داعي لتفصيلها. من بين من ولجوا هذه المهنة أبناء بسطاء كثر. اشتغلوا من أجل ضمان ظروف حياة أفضل للمغاربة أمثالهم ، في القطاع العام كما في العيادات الخاصة. عاشوا وماتوا على الكفاف والشرف.
يحتاج الناس للأطباء، على اختلاف أوضاعهم الاجتماعية، فالمرض عادل مثل الموت. لا يفرق بين غني و فقير.
قلة من الأطباء حولت وزرتها البيضاء إلى استثمار مالي صرف. فواتير عياداتها الخاصة تشبه كثيرا كشف حساب فندق فاخر. شعارها الدائم: لا مال، لا شفاء.
حان الوقت أن ترحل هذه المعادلة إلى غير رجعة.
صحة الفرد هي أساس صحة المجتمع، ودليلي لازال بيننا، المشؤوم كوفيد 19.
في الوقت الذي يسطر أطر الصحة قصة صمود بطولي أمام جائحة قاتلة وشرسة، تستمر حرب المواقع المشينة داخل دهاليز الوزارة ويستمر جشع ناهشي لحم الفقراء.
في إحدى حواراته، كرر مشالي نصيحته للأطباء الذين يريدون تحقيق مكاسب مادية، بالذهاب إلى البورصة وليس العمل في الطب.
أتمنى عمرا مديدا لمحمد مشالي.