مدرسة البيجيدي تجعل الغش نزاهة وخرق القانون شفافية
يقول الرسول الكريم (ص) (إذا لم تستحي فافعل ما شئت). ذاك هو حال حزب العدالة والتنمية الذي لم يكتف ببلاغ أمانته العامة التي زكت فيه الجرائم القانونية في حق المستخدَمين التي ارتكبها وزيران يحملان حقيبتين مهمتين (وزارة حقوق الإنسان، وزارة الشغل) والمتمثلة في حرمانهم من حق الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي؛ بل تمادى الحزب في غيّه حتى إن إدارة جريدته الالكترونية نشرت افتتاحية بالعدد 14 بعنوان “العدالة والتنمية.. مدرسة النزاهة والشفافية” تتغنى فيها بأخلاق الحزب وبمرجعيته التي جعلته نموذجا ومدرسة للنزاهة والشفافية.
والغريب الخطير في الافتتاحية إقرارها بأن الحزب له منظومته القيمية والقانونية مختلفة ومنفصلة عن منظومة المجتمع وقوانين الدولة؛ ومن تم اتخذ الحزب لنفسه معايير خاصة لما هو جائز وغير جائز، وما هو ممنوع ومحظور لا تتطابق مع نفس معايير المجتمع والدولة.
فمرجعية الحزب في إدارة الشأن العام ليست هي المرجعية الدستورية والقانونية التي تحدد الواجب فعله وكذا الجزاء المترتب عن خرقه أو الإخلال به، بل اختار لأعضائه مرجعية خاصة (في حالة مناضلي ومسؤولي العدالة والتنمية العمل المتواصل من أجل الامتثال لمقتضيات المرجعية الإسلامية في حياتهم الخاصة وفي ممارستهم للمسؤوليات العامة، والعمل الدائم على مراجعة أنفسهم وكسبهم على ضوء ذلك). من هذا المنظور الإيديولوجي الذي يجعل الشأن العام وحقوق المواطنين شأنا لا يخضع للتشريعات القانونية الجاري بها العمل في أي دولة، لا يقر الحزب بأن خرق القانون ومصادرة حقوق الغير جريمة قانونية تستوجب تطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون، وإنما اعتبرها “خطأ” عاديا من جنس الأخطاء التي تكفّر عنها “التوبة”.
وقد عللت الافتتاحية إياها الأمر كالتالي: (تعلمنا الأحاديث النبوية أن “كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”، وتعلمنا القواعد الفقهية أن “الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس”). ومعنى هذا في مرجعية الحزب، أن كل الجرائم التي يرتكبها أعضاؤه خلال تسييرهم للشأن العام، سواء تعلق الأمر بنهب المال العام أو تبذيره أو مصادرة حقوق المواطنين أو إهمال مصالحهم، هي أخطاء لا تستوجب المحاسبة والمحاكمة وترتيب الجزاءات، وإنما تكفي فاعلها أن “يتوب”، أما المواطنون الذين ضاعت حقوقهم ومصالحهم “فعوضهم على الله”.
هذه هي مرجعية حزب العدالة والتنمية التي يحتكم إليها مسؤولوه في إدارة الشأن العام وعلى أساسها تحاسبهم “لجنة الأخلاق والنزاهة”.
من هنا، فإن النزاهة والشفافية مفهومان يختلفان في دلالتهما بين مرجعية الحزب “الفقهية/الإيديولوجية التي أرادها أن تعلو على كل مرجعية سواها، ومرجعية الشعب والوطن التي يؤطرها الدستور والقانون (فيما يتعلق بتدبير الشأن العام، فإن حزب العدالة والتنمية وضع قواعدا فيما يتعلق بالنزاهة والشفافية وآليات لضمان التزام المناضلين والمسؤولين الذين يتصدون له بتلك القواعد كما أنشأ لجنة خاصة تتابع ذلك وتسهر عليه).
الآن يمكن أن نفهم لماذا لم تتخذ الأمانة العامة للحزب أي إجراء تأديبي في حق الوزيرين رغم إقرارها أنهما ارتكبا ما هو مخالف للقانون، إذ ليس في مرجعيتها عقوبات وجرائم، بل أخطاء تمحوها “التوبة”. ومن ثم جعلت الأمانة العامة للحزب كل خرق للقانون هو مجرد “خطأ” لا يخرق أبدا “قواعد النزاهة والشفافية” ( لقد استشكل البعض ما خلص إليه بلاغ الأمانة العامة.. من إقرار من جهة بأن عدم التصريح بالمستخدمين خطأ، ومن التأكيد من جهة ثانية بأن الأخوين المصطفى الرميد ومحمد أمكراز لم يخرقا قواعد النزاهة والشفافية.).نحن أمام مرجعية تعتبر خرق القانون والغش في تطبيقه “نزاهة”، كما تعتبر هضم حقوق المستخدمين “شفافية” ترقى بقيم الحزب ومرجعيته ليكون “مدرسة في النزاهة والشفافية”. هذه هي المرجعية التي يزعم الحزب أن الله تعالى هو من حددها له . وبناء عليه، فما يرتكبه أعضاء من الحزب ومسؤولوه من نهب وتبذير للمال العام وسوء التسيير مجرد “أخطاء” وليست جرائم قانونية ومالية تستوجب المحاكمة.
إن موقف الحزب ومرجعيته هذه ومنظومة قيمه ومعاييره الأخلاقية والقانونية تخرق بشكل سافر وعن سبق الإصرار والترصد دستور 2011 الذي يشدد على ربط المسؤولية بالمحاسبة. وحتى حين يتعلق الأمر بالفساد المالي، فإن مرجعية الحزب لا تعتبره جريمة بدليل أن اللجنة الأخلاقية لم تفتح تحقيقا في التهم التي تم على أساسها عزل بعض رؤساء المجالس المحلية المنتمين للبيجيدي (عزل رئيس المجلس البلدي لمدينة المحمدية حسن عنترة بقرار من المحكمة الإدارية بالبيضاء، عزل كريم ميس، رئيس بلدية سيدي يحيى الغرب)، أو متابعتهم قضائيا (عمدة مراكش الذي تورط في إبرام صفقات تفاوضية مشبوهة بقيمة 28 مليارا، متابعة رئيس جماعة بوفكران، بإقليم مكناس بتهم تبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ).
يستشف من سكوت لجنة الحزب للأخلاق والنزاهة عن تهم الفساد والنهب وتبديد المال العام الموجهة لأعضاء من هذا التنظيم، أن مرجعية الحزب لا تجرّم هذه الأفعال كما لا تدينها. فمن الزاوية الفقهية التي يتعامل بها الحزب مع قضايا الشأن العام، فإن سرقة المال العام أو تبديده لا يستوجبان تطبيق الحد الشرعي. ذلك أن حدّ السرقة وهو قطع اليد يكون في المال الخاص؛ أما سرقة المال العام ففيها اختلاف بين الفقهاء. إذ يحتج أغلبهم في عدم تطبيق الحد على سارق المال العام بالحديث النبوي “ادرؤوا الحدود بالشبهات”. والشبهة هنا هي أن السارق له حق في المال العام، والحاكم أو القاضي لا يدري هل سرق نصيبه أو نصيب غيره.
لا شك أن مرجعية الحزب ومنظومته القيمية لا تؤمنان بدولة المؤسسات وسيادة القانون وفصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة وترتيب الجزاءات. وهذا يتعارض مع الدولة الديمقراطية ومنظومة حقوق الإنسان.