محمد نجيب كومينة يكتب: حكومة الخرجات الكارثية….!
خرج عدد من وزراء الحكومة الحالية من حالة السبات التي جعلت المغاربة غير عارفين بوجودهم وبأسمائهم وبالوزارات التي وضعوا على راسها، والبين ان رئيسهم قد دفعهم الى ذلك بعدما راجت اشاعة عن قرب تعديل حكومي، تم تكذيبها في انتظار الآتي، لكن هذا الخروج كان عشوائيا واعتمد على أكلات بائتة او مثل تفاعلا ساذجا، حتى لا ننعته باللامسؤول، مع ما يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعل خرجة وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي عمور من أكثر الخرجات كارثية في هذا التوقيت. ذلك ان السيدة الوزيرة، التي يصفها البعض بالتكنوقراطية، اعلنت عن منح دراسة لاحد المكاتب، الذي لا تعرف خبرته في الموضوع، من اجل اعداد اطار قانوني للاقتصاد الاجتماعي بتمويل اوروبي، وهو ما يعني ان الوزيرة تجهل تماما معطيات القطاع الوزاري الذي تشرف عليه وتجهل في نفس الوقت المعطيات المتعلقة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب.
ذلك ان الدراسة التي اعلنت عن تكليف مكتب دراسات بإنجازها تعد تكرارا مملا لدراسة سبق ان مولتها منظمة الاغذية والزراعة (الفاو) مند وقت قصير وتم تقديم نتائجها في ندوة. ومعنى ذلك، وكما جرت العادة، ان الدراسات تجرى لتوضع في الرفوف وتنسى لتتم العودة الى نقطة الصفر، مع ما يترتب على ذلك من إهدار للمال العام ومن اهدار للسمعة عندما يتعلق الامر بتمويلات دولية. اجراء دراسات متكررة عن نفس الموضوع هو قمة العبث وعلامة على فقدان الكفاءة المطلوبة في وزراء مفروض ان يحرصوا على النجاعة والفعالية من اجل بلوغ اهداف ملموسة تتقدم بقطار التنمية، ومن المحتمل جدا ان تكون الوزيرة، عن جهل، قد وافقت على ما اعدته الادارة دون ان تشغل مخها جيدا وتطرح على الاقل اسئلة حول ما كان وحول الجدوى والغاية.
وعندما نتحدث عن الجدوى في هذا السياق، فان الصدمة تكون أكبر. ذلك ان مجرد إعداد إطار قانوني شامل للاقتصاد التضامني والاجتماعي بالمغرب يعتبر ضربا من العبث وافراطا في “النقيل” من فرنسا، على طريقة التلاميذ الكسالى الذين يكتفون بنقل ما يكتبه غيرهم، حتى ولو كان هذا الغير غارقا في الخطأ، غير عابئين بالنتيجة. ذلك ان فكرة اعداد قانون شامل لمكونات الاقتصاد التضامني والاجتماعي وجدت طريقها الى الادارة المغربية بعدما اعتمدت فرنسا قانونا من هذا القبيل عندما كان الاشتراكي امون وزيرا مشرفا على القطاع في ظل رئاسة هولاند، وكان الامر “تخربيقة” حتى بالنسبة لفرنسا، اذ سرعان ما طوى النسيان ذلك القانون غير القابل للتنفيذ وتم التخلي عن وزارة الاقتصاد الاجتماعي كذلك بعد تولي الوزير الذي كان مشرفا عليها الى وزارة التربية والتعليم.
وحين نعود الى واقع مكونات الاقتصاد التضامني و الاجتماعي في المغرب، فإننا يمكن ان نخلص بسهولة، شرط التوفر على حد ادنى من المعرفة، الى ان هكذا قانون لامعنى له، وسيصعب جدا اعداده، كما ظهر من خلال الدراسة السابقة التي مولتها الفاو، و سيكون في حال اللجوء الى استنساخ القانون الفرنسي قانونا ميتا مند ولادته، اذ ان مكونات هذا القطاع، ولنسميه قطاعا تجاوزا رغم انه لا يحظى باي تمييز في المحاسبة الوطنية، متعددة الوضعيات القانونية تاريخيا وارتباطاتها بالإدارات والوزرات كذلك و بشكل يجعل جمعها في سلة واحدة وتحت سلطة واحدة من المستحيلات. ذلك ان التعاونيات نظريا تحت وصاية قطاع الاقتصاد الاجتماعي و لها قانون خاص مند 1984، تم تحيينه بصعوبة في السنوات الاخيرة للخروج من نظام الترخيص المسبق الغبي، لكنها تبقى عمليا موزعة وموضوع استغلال من طرف كل ادارة ترغب في ملء تقارير الانجازات بالخزعبلات والكذب، مادام اكثر من نصف عدد التعاونيات المدرجة في الاحصائيات الرسمية ميتا، والتعاضديات تحت وصاية وزارة الشغل والصحة او المالية بحسب تخصصها، ولها اطارها القانوني المختلف عن قانون التعاونيات، والجمعيات، التي ينطبق عليها مفهوم الاقتصاد الاجتماعي، لها ايضا اطارها القانوني الذي يطرح الى اليوم اشكالات عويصة لم يتم حلها، لان ظهير 1958 كما تم تحيينه مرارا لم يستوعب، في الاصل وفي التحيين الجمعيات التنموية التي لم تعد، كما لم تعد التعاونيات، ذات هدف غير ربحي، وهذا ما تمت معالجته في قانون المالية لسنة 2005 الذي ادخل الجمعيات تحت مظلة الشركات الخاضعة للضريبة كما وضع نظاما ضريبيا للقطاع التعاوني انهى الاعفاء المطلق، اما مؤسسات الرعاية، فانها تعتبر الى الان جمعيات و ليس للدولة في هذا الميدان الهام سياسة واضحة للنهوض به وتوجيهه وجهة سليمة و تجنب استعماله لممارسة الغش الضريبي، الذي يعرف الجميع ان بعض التعاونيات الكبرى العائلية في مجال العسل مثلا تمارسه علنا بينما لا يجمعها بالعمل التعاوني الا الاسم والتحايل.
هذه مجرد اشارات سريعة، يمكن عند الحاجة الدخول في تفاصيلها، وهي كفيلة بان تكشف لكل من يرغب في ان يرى البلاد تسير بوتيرة معقولة لحل مشاكلها والتقدم على سكة التنمية اننا بصدد حكومة تدعي ما ليس فيها وتتصرف في الشأن العام بالخبط والعشوائية مع الرهان على تواصل مغشوش يغلف المعلومات والمعطيات الحقيقية لخلق ايحاء مغلوط بكفاءة غبر متوفرة.
بحال هذي اديال دراسة على دراسة سابقة، فبلد يقدم فيه الحساب فعلا وليس في نصوص لاتفعل، فضيحة. والوزيرة في النهاية ماخاسرة والو، المغرب وفقراؤه هم الخاسرون، لان الاقتصاد الاجتماعي مند انطلاقه في صيغته الحالية في ثمانينات القرن الماضي موجه الى محاربة الفقر والهشاشة والحلول محل الدولة التي دخلت مندئد مرحلة التخليات تحت تأثير هجوم كاسح لليبرالية المتوحشة.