محمد بودلال، الماركسي الذي أحرج الرفاق والحلفاء والخصوم
لم يعد محمد بودلال على قيد الحياة. ولن يقاسمنا الهواء المثخن بالغياب. توقف الرجل عن التأمل في الأجواء، حمل همومه في سكون إلى مثوى السكون.
لم ينازع أحدا في الزحمة تاركا المرافعات حزينة، تاركا جبهة النضال من أجل ” الخبز والديمقراطية والوطن ” تشرح قلة ذات اليد.
تخلصت النخب من لوم محمد بودلال لتستمتع بخيباتها هاربة إلى تخصصها الجديد وهو التفوق الحقيقي في إحصاء الرزايا.
مات الرجل الذي صاغ رفقة أخاذة في شخصيته، بين الصرامة المبدئية والقدرة على استيعاب الرأي الآخر. شخصية مضمخة بمضادات الأفكار العدوانية. الجذب في اتجاه تخليق الحوار هي طاقة محمد بودلال في منازلة معاول الهدم وجرافات الاقتلاع.
لن أهيم في سرد مناقب مناضل تقدمه فضائله. لقد سبقني من هو أشْيَخ مني في مُجايلته وعشرته، تفوق بنيونس المرزوقي في الموضوع، أما أحرفي هذه فهي في حاجة إلى شحنة من الشجاعة للاقتراب من قامة مُهابة في حضورها وغيابها.
لا ينكر حتى الذين اختلفوا مع مقاربات أبو خالد مهارته الجذابة في دفاعه الدائم توطين المشروع الماركسي داخل منظومة إنسانية متعددة الصراحات، قوة المشروع في تحديد صراحة الهوية غير المتعالية على معطيات المجتمع، قوة جديرة بالاختراق الناعم محمولة على ذهنية ثقافية صادقة ترفض الإلغاء. لذلك كان يفضل أن يُعَنون المسار ب” معركة النزاهة “.
وهي مقولة مكثفة بالخصوبة والمجابهة وإحراج الرفاق والحلفاء والخصوم.
اختار سليل شمس الشرق ممارسة السياسة من دون مساحيق لم تروضه قضبان السجن القاسي ولم تنل منه التجذابات التي عاش فصولها في ” منظمة العمل ” وفي “أنوال” و “الأنوار” و “المنظمة”… لم يبحث عن بطولة يوما ولا عن ” مقعد.”
لم ينعت أحدا بسوء حتى في غمرة جحيم الانقسامات والانضمامات والتوترات، لم يُخون أحدا. لم يشتبك مع أحد، ولم يفبرك دسيسة.
محمد بودلال اختار الصمت لعقدين كاملين محتضنا في شهامة تأمله لوحده. لم يخبر الرفاق عن لذة الوصفة هذه. الرفاق كانوا منشغلين بجدول أعمال فاضت فيه المحاور الخلافية مسببة خسائر وضغائن وأشياء أخرى.
ذهب الراحل إلى نادي الكبرياء في التاريخ دون أن ينازع على الحصص في السياسة. الصفاء في التاريخ هو الحصة والقمة والرفعة.
رحم الله محمد بودلال.