محراب الوطن…!
منذ عشرينيات القرن الماضي، تصدح الديفا أم كلثوم بأغاني حب أهداها لمصر وللعالم حفنة من الشعراء الموهوبين.
طرب وآهات بلا انقطاع.
تتتبع إيقاع الموسيقى بنقرات خفية من قدمها على خشبة المسرح، بينما يرتفع جيدها نحو ميكرفون دوما معلق، كأنه دعوة مفتوحة للتحليق نحو السحاب.
لم تترك قلبا إلا وطرقته.
لمعت حد التوهج وهي تعاتب خائنا مُفَرِّطا في ود ووفاء من أخلص له.
استحضرت شوقا بحجم الكون وهي تهدي مواوييل على جميع المقامات لمن ينتظر إطلالة محبوب غَائِب.
عاتبت بغنج قد يفطر فؤاد ثور هَائِج.
استعطفت بعزة نفس وعلياء محارب مهزوم بشرف.
ارتفع صوتها ممجدا الحب، ليصل النجوم ولتتربع هي كوكبا ينافس القمر في بهائه وبريقه.
صحيح أيضا أنها احتفت بحب الوطن وأمجاد الوطن.
كتب لها أحمد رامي، في حب الوطن:
أحبها من كل روحي ودمي
مصر التي في خاطري وفي فمي
أحبها من كل روحي ودمي
يا ليت كل مؤمن بعزها يحبها
حبي لها
بني الحمى والوطن
من منكم يحبها مثلي أنا..
ألهمت الأغنية العامل والفلاح والجندي.
رغم كل هذا التفرد، السيدة أم كلثوم لم تكن استثناء.
الحب موجود منذ بداية الإنسانية.
بل هو جوهرها وقدرها.
كل الشعوب غنت للعشق وبدافع العشق.
المغاربة طبعا انتصروا للحب وأبدعوا في وصف تضاريسه الوعرة، بكل التنوع الممكن في هذا البلد.
بالأمازيغية، بالعربية، وبالحسانية.
الحب الحقيقي قلعة لا يتسلل إليها ماكر أو انتهازي.
محراب يصلي فيه من يعطي، لا من يأخذ.
الحب، كل الحب.
حب الناس، حب الحياة، وحب الله.
من حب الوطن أن لا تمتص دمه وهو جريح ينزف.
من يراكم التعويضات، لا يحق له أن يتكلم عن حب الوطن والوطنية.
“لا تسأل عما يمكن أن يعطيك الوطن، اسأل عما يمكن أن تعطي أنت للوطن” جون فتزرالد كينيدي.
خلال الأزمات، سهل أن تغني للوطن، صعب أن تحبه بصدق.
الرأفة بالوطن محبة بلا حدود.