مدارات

مايسة والرقص على الحبال: الاشتغال بالسياسة ليس هو الاشتغال مضيفة طيران

جل ما قالته مايسة سلامة الناجي صحيح.. لكن ليس فيه جديد، فكل ما ذكرت معروف ومتداول..

الجديد في كلامها أنه خطاب موجه مباشرة إلى الملك.. كي تخبره فقط بما يعرفه جيدا وأكثر منها.. وما سبق أن تطرق إليه في مناسبات عدة..

مايسة تعرف أنها لا تملك رؤية لتغيير ما تراه منكرا.. وتعرف أنها قبل هذا رقصت على كل الحبال.. وتوهمت في لحظات عدة أنها يمكن أن تلعب دور الوسيط  بين المواطن والمؤسسات (حراك الريف كنموذج).. بما فيها مؤسسة الملك.. واعتقدت أن لقب “المؤثرة” في وسائط التواصل يخول لها الحديث باسم الشعب..

وأنت تستمع إلى خطبتها الأخيرة.. تدرك أنها لم تقم بأي جهد في قراءة المشهد السياسي.. وأن دورها اقتصر على جمع ما هو متناثر هنا وهناك مما يظن الكثيرون أنه تشخيص للأزمة.. واختارت أن تتجه مباشرة إلى جوهر الفكرة. مقاطعة الانتخابات.. وهو ما يطرب شرائح عديدة من المواطنين.. والهدف غير المعلن هو إفراغ المشهد السياسي من كل تعبيراته.. دون أدنى تحفظ أو تمييز.. وإعلان حالة استثناء “ناعمة”  بدعوى أن الشعب هو من يطلب هذا..مع ما يستتبع ذلك ضرورة من  وقف العمل بالدستور وتعطيل المؤسسات.. وحصر التدبير السياسي والاقتصادي والاجتماعي في يد الملك.. كل ذلك لأن فساد النخبة السياسية كفيل بجر البلد إلى المجهول..

النغمة  أقرب إلى الأهازيج  الشعبية الجميلة.. تلك التي يرقص لها الجميع.. لكن متى كان تدبير الشأن العام شبيها بأغاني الأعراس والحفلات..

مايسة تعلم جيدا أن المقاطعة لن تكون شاملة.. وأن بعض الأحزاب ستستفيد منها باعتبار قاعدتها الانتخابية الثابتة والمنضبطة.. وتعلم جيدا أن ملك البلاد ليس بهذه السذاجة لاتخاذ موقف جذري غير محسوب العواقب.. والزج هكذا بالجميع في السجون.. لذلك فهي تراهن بوعي أو بدونه على مقاطعة جزئية تعمل على تحييد فئة واسعة من الناخبين لصالح أحزاب بعينها.. فالمقاطعة الحقيقية هي موقف سياسي له ما بعده.. ومايسة لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى هذا ال”ما بعد”.. لأن فاقد الشيء لا يدرك أهميته ولا خطورته.. المقاطعة هي المقابل الموضوعي للعزوف.. المقاطعة مشاركة في الحياة السياسية بصيغة الاحتجاج الايجابي.. بينما العزوف حياد سلبي يقضي على حيوية المجتمع.. ويجعله في قبضة فاعلين لا توحدهم رؤية أو برنامج.. ولا يخضعون لأية مساءلة شعبية بالمفهوم المؤسسي..

الخلاصة أن مايسة تعزف على أوتار مغشوشة.. تدغدغ عواطف الناس.. وتتحدث باسمهم إلى رئيس الدولة.. وهو ما لم يسبقها إليه سوى شيخها السابق في رسالته الملغومة والمشهورة “الإسلام أو الطوفان”.. وهي في الحقيقة “أنا أو الطوفان..”

فقط، لو تعلمي سيدتي أن الاشتغال بالسياسة مختلف كلية عن الاشتغال كمضيفة طيران.. لكل منهما مستلزمات وحدود..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock