كرونيك

… لولا أنني وجدت الاتحاد الاشتراكي صدفة..، وأن بوريطة يستحق التنويه…!

لا شك أن جيلا كاملا يتذكر نشيدا خالدا ردده يوم ما:

“فرس علي ينام في الإسطبل

بينما علي يزدرد الحلوى.”

أعتقد، جازما، أن الجدوى البيداغوجية من ترنيم أبيات لا أعرف كاتبها داخل فصول الدرس، كان يهدف إلى كسب الوقت، ليس إلا.

بيد أن ما يحققه من أهداف خفية، لا شك، يفوق بكثير طموح صاحبه.

حين يتعب المعلم من الشرح يلجأ إلى شغل المتعلمين بالغناء الجماعي.

للغناء قدرة عجيبة على حشد الجسد والروح معا في نشاط واحد.

تمتزح متعة مشاركة كورال متناغم، بغموض كلمات النشيد بالنسبة للعقول الفتية.

بعض الشعوب تشيع موتاها في مسيرات يختلط فيها الحزن والرقص والغناء الشجي.

بعد سنين طوال، أجد أن جوهر النشيد يلائم تماما مبتغى استعماله. تستمتع الفرس بقيلولة هادئة داخل إسطبل، أتخيله مريحا وحتى مكيفا وهو (أو هي) محاطا بما لذ من شعير وذرة وتبن أصفر فاقع، شهي المنظر.

أما علي، فوضعه ليس أقل رفاهية وراحة: يبتلع بنهم ومتعة قطع حلوى أنيقة ومغذية.

تلكم إذن بحبوحة عيش وترف ما بعده ترف. فلا الفرس تشتكي و تتألم تحت سوط عربجي بلا قلب، و لا علي يقاسي من ويلات الفقر، مضطرا أن يعمل ويكد ويشقى من أجل كسرة خبز قاس وأسود.

الصورة مثالية إذن.

وكل شيء في أحسن أحواله داخل أفضل العوالم الممكنة.

لهذا السبب، كدت أن أمتنع عن كتابة كرونيك اليوم. وقد عقدت العزم على الاكتفاء بدعوة القارئ لترديد نشيد فرس علي.

عرجت على الأخبار الوطنية بحثا عن أجمل ما حدث لأسوقه طبقا مرافقا النشيد.

وجدت صدفة أن الاتحاد الاشتراكي يشتكي من العثماني ويعاتبه على ما يراه محاولات لنسف الأغلبية.

لم أجد بدا من الشفقة على حال ما “شاط” من حزب عتيد كان يوما ما يؤرق الدولة بكل أجهزتها، بمجرد أن  يعلن عن اجتماع مكتبه السياسي.

قررت أن أحذف هذا الخبر رحمة بقلوب تفيض يسارا وحبا للوطن وتتحسر على حزب تاريخي انتهى به الأمر يستجدي فقط أن يخبر بالقرارات حفظا لماء الوجه.

في سياق مختلف ،اسعدني نجاح المغرب الدبلوماسي ببوزنيقة، رغم حنق الحاسدين والمنافسين معا.

بوريطة يستحق التنويه عاليا.

في خبر آخر، غلاء الخضر بأسواق الدار البيضاء يعيد نقاشا لا ينتهي حول القيم في المجتمع المغربي.

أصبحت كل مصيبة فرصة للاسترزاق غير المشروع.

إنها ثقافة الهمزة .

عند وعدي، سأردكم جميعا لسيرة الفرس وصاحبها علي، سالمين مرتاحين لترددوا فيما يشبه النشوة الصوفية:

فرس علي ينام في الإسطبل…

يبدو أن سيل الأخبار السيئة جارف وبلا نهاية. فلا أحد منا سينال قريبا نوم الفرس الهني ولا حلوى علي اللذيذة قبل أن يرحل الوباء والحكومة وزعماء الأحزاب الفاشلين.

أما الذين لم يرقهم النشيد، فليختاروا لحنا مختلفا يناسبهم.

“إذا كنت لا تستطيع الرقص على نفس إيقاع الآخرين، فربما كان ذلك لأنك تسمع موسيقى أخرى.”

هنري ديفيد ثورو

فيلسوف، شاعر (1817 – 1862.)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock