لماذا خدش قميص بركان “النيف” الجزائري؟
اللعبة أصبحت مكشوفة للعيان، وأولى أدوات هذه اللعبة القذرة تجييش المواطن الجزائري بواسطة كرة القدم وما لهذه الرياضة من وقع على نفسية الشعب الجزائري، كما حدث في مقابلة التأهل ضد منتخب الكاميرون، وحكايات الحكم كاساما وفوزي لقجع وجمال الدبوز....
جمال اشبابي/ باريز
ما الذي تغير، حتى تصبح خريطة المغرب كاملة على قميص برتقالي لنهضة بركان يخيف دولة بأكملها ويؤرق نوم حاكمي المرادية إلى حد التخبط والهذيان؟ ولماذا أحس النظام الجزائري أن أنفه مرغ في قلب العاصمة الجزائرية كما مرغ في حمم بُركان مدينة بركان عاصمة بني يزناسن.
ما الذي حدث حتى تعيش الرياضة الجزائرية مهزلة أخرى عندما انسحب منتخب الجزائر للشبان من منافسات البطولة العربية المنعقدة مؤخرا بالمغرب، مبررا الانسحاب بانقطاع وصلة عزف النشيد الوطني الجزائري قبل انطلاق مبارياته الأولى أمام منتخب السعودية، ولماذا لم ينسحب ساعتها وفضل الانسحاب خلال مقابلته الثانية ضد المغرب، والسبب غير المعلن طبعا هو خريطة المنتخب المغربي المرصعة بالخريطة الكاملة، لكن قبل هذا وذاك ما سبب هذا السعار الجزائري.
سيقول البعض منا لاشيء تغير، حيث لم تشمل الخريطة المغربية سوى تراب المملكة الشريفة دون أن تمس ولو شبرا واحدا من تراب الجارة الشرقية. هذا صحيح، فما الذي تغير إذن والجزائر سبق لانديتها أن واجهت أندية مغربية رصعت قمصانها بنفس الخريطة ولم تحرك ساكنا،
ما الذي حفز نظام الجزائر لإصدار الأوامر الأخيرة للتصعيد لتخفيف إخفاقات الدبلوماسية الجزائرية؟
ما الذي تغير والمغرب رفض منذ سنتين في قمة جامعة الدول العربية في الجزائر، خريطة المغرب المبتورة خلال اجتماع وزراء الخارجية التحضيري واحتج على عدم تضمنها لكامل تراب المغرب وجاء مبتورا من صحراءه. وما كان على جنيرالات الجزائر إلا الرضوخ للطلب المغربي المشروع تحت ضغط الجامعة العربية.
لفهم أعمق لكيفية اشتغال نظام العسكر، وجب التذكير أن الأخير مر بصدمات ديبلوماسية وسياسية في السنتين الأخيرتين وكان لذلك وقع الزلازل التي زعزعت أركانه وكسرت عظامه، ذلك أن علاقاته الخارجية يصفها المراقبون بالسيئة للغاية، علاقات مهترئة مع الصين وروسيا وفرنسا وإسبانيا والمغرب مقابل علاقات جيدة مع نصف السودان ونصف ليبيا ونصف مالي فقط.
زد على ذلك أن البلد صار لا يفصله عن تنظيم انتخابات رئاسية إلا أربعة أشهر بعد أن تم تقديم موعدها لأسباب “تقنية”، وهنا لا بد من إجماع شعبي لإلهاء الشعب عن قضاياه وهمومه اليومية، وطوابير الحليب والمواد الغذائية، معتمدا على البروباغندا الإعلامية وغسيل الدماغ ضد المغرب، “العدو الكلاسيكي”، والبلد “التوسعي والمحتل” كما يحلو لحكام المورادية وصفه.
لكن المتغيرات الأخيرة عجلت بالتخبط الجزائري، فقبل يوم من إجراء مقابلة نصف نهائي الذهاب بالعاصمة الجزائرية، كان فرحات مهني يمشي مزهوا نحو مقر الأمم المتحدة بنيويورك بترخيص أمريكي طبعا، ليعلن من أمام المبنى استقلال بلاد القبائل، هذا الحدث الذي هز أركان قصر المرادية، كان لا بد للديبلوماسية الجزائرية أن تعتم عليه إعلاميا بكل الوسائل ولو على حساب مقابلة في كرة القدم، لنقل النقاش السياسي حول استقلال وسيادة إخواننا القبائليين على ترابهم إلى نقاش سوريالي حول خريطة المغرب التي ترصع قميص نهضة بركان وزعمهم مساسها بسيادة الجزائر، فعن أي سيادة يتحدثون وهم لا يتوقفون عن التباهي بأنه ليس هناك ولو شبر من تراب الجزائر تحت الاحتلال.
حكام المرادية هذه المرة، امتطوا جحشا مسعورا دون سرج ولا لجام، فخرجوا من جحورهم وخلعوا أقنعتهم وتحدثوا بوجوه مكشوفة، ليقولوا للعالم بأكمله عبر جهاز الكاف وجهاز الفيفا، وطبعا عبر إعلامهم الرسمي أن خريطة المغرب بصحرائه خط أحمر ومسألة سيادة، لتسقط ٱخر ورقة توت كانت تحجب عورة الأطماع الجزائرية التي طالما أكدها المغرب في كل المنابر والمنظمات الدولية داعيا إياها إلى طاولة الحوار، باعتبارها الناطق الرسمي لمرتزقة هم من صنيع الجزائر.
وعلى صعيد ٱخر، ظنت الجزائر أن انعقاد المؤتمر “المغاربي” الذي ولد موؤودا بتونس وليبيا دون المغرب، أنه ينبغي التغطية على هذا الإخفاق بتوجيه الرأي العام الجزائري نحو “العدو الكلاسيكي” “المروك”، فلا بد من محاولة عزل المغرب سياسيا ودييلومسيا وتوجيه اللكمات له، فالدولة القارة والقوة الضاربة لا زالت لم تهضم طردها المهين من البريكس والمهزلة والدعاية التي سبقت ذلك على أعلى مستوى في هرم سلطتها وهي تزعم منتشية بأحقية حلم انضمام الجزائر لهذا التجمع العالمي، لتستفيق بعد ذلك على كابوس عنوانه “لا وزن وهيبة ولا مواقف”. وصار لزاما على نظام العسكر أن يغطي على ما صرح به لافروف بقمة مغاربية فاشلة.
وفي نفس السياق، أصبحت الجزائر في سباق ضد الساعة إذ لم يعد يفصلنا عن إنتهاء مهمة بعثة المينورسو إلا بضعة أشهر لكي تجمع حقائبها في الـ31 أكتوبر من السنة الجارية، وعليه سيتم إنهاء الملف بالكامل من الأمم المتحدة، وهذا يعني بالضرورة إنهاء جبهة البوليساريو لأن الجبهة الوهمية تستمد خطابها و”قوتها” من وجود ملف الصحراء في الأمم المتحده، وبالتالي إنهاء النزاع الطويل في ملف الصحراء المغربية، هذا الإحباط جعل الجزائر ومولودها البوليساريو تشعران برعب كبير، لأن رحيل المينورسو يعني إنهاء جميع المنابر الدولية التابعة للأمم المتحدة.
كل هذه الأسباب جعلت محرك “الفرفارة” الجزائرية يدور بأقصى سرعته لعله يغطي الواقع والتخبط السياسي والديبلوماسي الذي تعيشه الجزائر موهمة نفسها بتحقيق انتصارات وهمية.
فاللعبة أصبحت مكشوفة للعيان، وأولى أدوات هذه اللعبة القذرة تجييش المواطن الجزائري بواسطة كرة القدم وما لهذه الرياضة من وقع على نفسية الشعب الجزائري، كما حدث في مقابلة التأهل ضد منتخب الكاميرون، وحكايات الحكم كاساما وفوزي لقجع وجمال الدبوز. وطبعا، المقابلة ستعاد في ذهنية الجزائري البسيط، بفضل هذا التجييش، وهي كلها حكايات من وحي خيال مهندسي المرادية.
فنظام العسكر لا يعير أي اعتبار للثمن الذي يمكن أن تكلفه حماقاته في سبيل معاكسة والفوز الوهمي على “المروك” ولو على حساب التضحية بفريق بلده اتحاد العاصمة وفرق ومنتخبات جزائرية أخرى في قائمة المنسحبين بسبب القمصان المغربية، قمصان حملتها النهضة البركانية في حقائبها وظلت محجوزة، ورغم ذلك خرجت نهضة بركان منتصرة من معركة السيادة الحقيقية وثباتها على خريطة بلادها بطلة ومعها جميع المغاربة، فماذا لو أفلتت قمصان العزة من أيادي رقابة العسكر.