كرونيك

لحسن الحظ، تسير الأمور بشكل مخالف لمخططات الصِّبية…!

تعج شوارع المدن بماسحي الأحذية.

يتفنن معظمهم في جلب انتباه زبنائهم المحتملين من بين رواد المقاهي.

ضربة أو ضربتان على الصندوق الخشبي بظهر الفرشاة الغارقة في دهان أسود، تكفي لتوقظ الشخص المنغمس في فنجان قهوته، غير آبه بالعالم حوله، لمطالبته بالاهتمام بنعليه.

ينظر معظم الناس من فوق لمحترفي مسح الأحذية. فهي، لا شك، مهنة لم تكن أبدا ضمن لائحة أحلام الأطفال.

خلال السنوات الأولى، يردد الصغار مهنة أو مهنتين لا غير، طبيب أو شرطي.

لحسن الحظ، إن الأمور تسير بشكل مخالف تماما لمخططات الصبية، وإلا لكان المجتمع في أزمة حقيقية، وليس فيه سوى آلاف الأطباء وآلاف الضباط والمخبرين ورجال الأمن. فنحرم من الحلوى اللذيذة للخبازين، ومن منازل وشوارع أنيقة يشيدها بناؤون ومهندسون وفنيون مهرة.

عودة إلى ماسحي الأحذية…

أجزم  واثقا أن المهنة فيها نوعان:

فقراء يقتاتون من وراء علبة التلميع وصندوق وفرشة، يجوبون بحثا عن دراهم معدودة، تكفيهم خبزهم اليومي المر.

ثم أصحاب خبرة ودبلومات، منهم الصحفي والجامعي والموظف الكبير. هؤلاء يطلون على العالم عبر تلفزيونات العالم ليلمعوا أحذية أنظمة فاشلة ومتهالكة.

ومناسبة الكلام ما يحدث عند الجيران.

بعد أن تحالف العسكر مع كورونا لوقف مظاهرات الجزائريين المطالبة برحيل المومياءات الفاسدة المتحكمة في نفط البلاد، وخيرات البلاد وفي كل شيء، أوصل رئيسا مريضا وعاجزا إلى السلطة، ثم اضطر لحجز سرير لنفس الرئيس في بلد أوروبي قصد العلاج.

لم يجد ماسحو أحذية العسكر الجدد أفضل من الدفاع عن نظام واقتصاد متهالكين، لم يوفرا حتى مستشفى محترما لمعالجة رئيس البلاد.

حين أستمع لهؤلاء وهم يلغطون في كل شاشات الدنيا، ويهاجمون الحي والميت، والجار، وجار الجار، في محاولة يائسة لتجميل أحذية العسكر الجزائري البالية، ثم اتتبع معاناة الأشقاء الجزائريين مع الكهرباء ومع الطرقات، وحتى مع الموز، أشفق على حالهم.

من المؤكد أن ماسح الأحذية، رغم قساوة المهنة، يشعر بنوع من الرضا بعد أن يعيد لفردة الحذاء بهاءها ولمعانها.

أما في حالة أشباه المحللين وأشباه الصحفيين مدفوعي الثمن، فلا أمل لهم أبدا في نجاح مهمة مسح الحذاء.

عليهم بكل بساطة أن يفكروا في حذاء جديد، لأقدام جديدة وبعقلية جديدة. وبكل استعجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock