كرونيك

“لا قط يفر من دار العرس”

حتى القطط الصغيرة تحلم.

في نومها، ترى ما يناسب تماما حياة حيوان أليف: مكان دافئ للنوم والاسترخاء، وأمل في وجبات شهية ومنتظمة.

أو ربما تحلم بكائنات على شاكلة الفئران والطيور، تقع في قبضتها، فتغرس مخالبها في خاصرتها الرطبة، بسادية القطط الرهيبة.

هذه طبيعة القطط، من حقها أن تحلم بما تشاء. فهي تنام كثيرا وتحلم كثيرا.

البشر أيضا ينامون ويحلمون.

فالحلم هو المستقبل قبل أن يقبل مسرعا، ويصير واقعا.

يحلم الأطفال أن يصبحوا كبارا، ويحلم الكبار أن يعودوا صغارا مرة أخرى.

وبين هذا وذاك، بون شاسع.

أحلام الصغار مقدمة للحياة وتمرين مفيد للعقل، أما الكبار فيمنون النفس بما يستحيل تحقيقه، بعد رحيل العمر.

الأحلام هي بداية كل شيء.

حين بدأت أفواج المستوطنين الأوروبيين بركوب البحر للعيش في القارة الأمريكية الجديدة، حملت معها أحلاما كثيرة.

بعضها تحقق، والبعض الآخر انتهى أمره جراء مرض قاتل، أو ضربة شمس قوية، أو، ربما، سهم أرسله هندي غاضب من تدفق  مستعمرين طامعين في أرضه وخيراته.

هكذا، تحولت أمريكا إلى أرض الأحلام. بل استحق نمط حياتها لقب “الحلم الامريكي”. وهو المصير الجميل الذي لقيه سكان بلدان باردة ورمادية وفقيرة، تحولوا إلى مواطنين ينعمون بالشمس والبحر والحرية والثروة.

في بلدان عديدة حول العالم، يحلم البعض برغيف خبز حاف وجرعة ماء زلال، لا غير.

تحت الديكتاتوريات، يحلم الناس بحق التعبير السلمي وبحياة لا تنغصها فيالق المخبرين وحراس النظام.

الأحلام لا تنتهي. ولا تتشابه.

بعض الشباب تفصلهم كيلومترات قليلة عن تحقيق أحلامهم.

يسعون للعبور للضفة المقابلة: أوروبا.في كل سنة، يبتلع البحر عددا جديدا من هؤلاء المغامرين، بعد أن  يبحروا كيفما أمكن ودون تقييم حقيقي لمخاطر الموت غرقا.

في المدن البعيدة والقرى النائية، تنتظر أم بجانب هاتف نقال مكالمة تحمل إليها صوت ابنها، بعد أن تأكدت أنه ركب قاربا من قوارب الموت. يهجر النوم جفونها، ليحل محله الخوف والألم والتوجس.

قد يتحول حلمها، هي أيضا، إلى مجرد رغبة في معرفة مصير ابنها المختفي.

في إسبانيا، قبور المهاجرين السريين تحمل أرقاما وكأنها بطاقات رهان أو سجلات تجارية.

أما الأمهات المنتظرات، فيتردد اسم أبنائهن المفقودين في دواخلهن في كل حين، مثل جرس إنذار يقرع مرارا وتكرارا.

الأحلام قد تلد المآسي.

مرة أخرى، ذكرت مصادر صحفية أن  تسعة عشر شابا مغربيا فقد أثرهم بالكامل يوم الثلاثاء الماضي، بعدما اختاروا ركوب قوارب الموت للوصول إلى الجزر الإسبانية قبالة الداخلة.

يهجر الناس أوطانهم مرغمين، حين تختفي إمكانية تحقيق الأحلام ويصبح المستقبل مجرد كابوس.

قد يكون مفيدا للجنة النموذج التنموي الجديد أن تكون في استقبال الهاربين إلى بلدان أخرى لتحقيق أحلامهم، لتكتشف سر اختيار قوارب الموت عوض وعود التنمية والرفاه الكاذبة.

فهم أدرى الناس بما يجعل ركوب قارب خشبي لعبور البحر أهون من العيش في هذا البلد.

في جوابهم، سر انسداد الأفق وانتشار التشاؤم والسلبية وكل أعطاب المجتمع.

عودة إلى القطط وأحلامها…

يردد المغاربة بحكمة بالغة، أن “لا قط يفر أبدا من دار العرس.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock