كرونيك

لا تخبر أحداً أنني أنقذتك…!

كان الحجاج بن يوسف الثقفي يستحم في البحر، فكاد أن يغرق.

فجأة، لمحه شخص مار بالصدفة، فأنقذه من موت وشيك.

عندما حمله إلى بر الأمان، قال له الحجاج: أطلب ما تشاء فطلبك مجاب.

اندهش الرجل وقال : ومن تكون أنت حتى تجيب لي أي طلب؟

أجابه الخليفة: أنا الحجاج الثقفي .

نظر إليه الرجل، ثم توسل إليه: طلبي الوحيد أنني سألتك بالله أن لا تخبر أحداً أنني أنقذتك.

♦♦♦♦

في كثير من الأحيان، تنقلب أفعال، هي في الأصل خيرة وهدفها نبيل، إلى عقاب حقيقي لأصحابها.

في 2011، أثار عزم الوزير الأول والأمين العام لحزب الاستقلال، عباس الفاسي، تعيين عبد المجيد الفاسي، وهو ابنه، على رأس اللائحة الوطنية للشباب في الانتخابات النيابية الوشيكة، غضب شباب حزب الاستقلال وجزء كبير من الناخبين المتعجلين رحيل عباس الفاسي.

حين قررت حكومة عباس الفاسي الزيادة في الرواتب والمعاشات مع الرفع من الحد الأدنى للأجور، وعرضت اتفاقها مع مركزيات نقابية في يوم مشمس من ايام أبريل 2011، خرج حشد كبير من المعارضين بحجة هزالة المبالغ وبرمجتها على أربع سنوات.

حتى عندما نزل المطر مدرارا على عشب ملعب مركب مولاي عبد الله خلال مباراة دولية، وخرج من خرج بكراطات عجيبة لتجفيف السيل الجارف من الماء، والذي تحول الى سيل أكبر من السخرية ومطالب ملحة بإقالة وزير القطاع، طالب الناس جميعا برحيل عباس الفاسي.

كان ثمن البترول في حدود سبعة دراهم، وعباس الفاسي لم يكن محبوبا.

قام عباس الفاسي وحكومته بتوظيفات كبيرة لفائدة خريجي الجامعات المحتجين، بل وترك هذا الوزير الأول وعدا بالتوظيف لفائدة آخرين، ألقى به رئيس الحكومة الجديد في سلة المهملات، بمجرد أن تسلم كرسي الوزارة الوثير.

منذ 2011 إلى اليوم، توالت أحداث وتغييرات كثيرة، طالت بالخصوص المكتسبات الاجتماعية ومنهجية الحوار مع النقابات.

صار واضحا أن أكثر الناس تفاؤلا لم يعد يحلم سوى بالحفاظ على الوضع الراهن، وتفادي المزيد من التراجعات.

كما توالت الفضائح بالجملة، ولم يكن سببها في مرات كثيرة، لا المطر وكرة القدم، ولا زلات لسان بريئة، بل اختلط فيها النفوذ، والزواج، والطلاق، والمدلكات، والتعويضات وإصلاحات مريبة سمحت باختفاء سبعة عشر ملايير سنتيم في جيوب شركات المحروقات.

أخر مهازل حكومة العثماني: زيادة 200 درهم في 2020، واقتطاع يصل إلى 250 درهم في 2021.

صوت كثيرون لصالح حزب كان يلتف برداء حمل وديع، بحسن نية ورغبة منهم بإعطاء الوعاظ والدعاة السابقين فرصة لتنزيل الأخلاق الحميدة والفعل الخير إلى عالم السياسة، قبل أن تظهر لهذا الحزب أنياب ومخالب لا تتوقف عن النهش.

♦♦♦♦

من دون شك، ندم الرجل الشهم الذي مد يده لإخراج السفاح الحجاج بن يوسف الثقفي من مياه كادت أن تجرفه وتخلص الناس من شروره.

كما ندم كل من انتقد وتحامل على عباس الفاسي وحكومته، وعلى كل الحكومات التي سبقته، بلا استثناء.

نسأل الله السلامة و العافية ،و نستعجله  رحيل الوباء، كل الوباء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock