كرة القدم بصيغة المؤنث: حدث رياضي بدلالات سوسيولوجية…!
من يشاهد المباريات التي جمعت بين منتخب نساء المغرب ومنتخب نساء بعض البلدان الإفريقية خاصة في المقاهي والفضاءات العمومية، سيكتشف لا محالة أن تمثل هذه النزالات هي مرآة سوسيولوجية حقيقية لما يعتمل داخل المجتمع من تمزقات ومفارقات بين تيار التقليد والمحافظة وتيار التقدم والحداثة بمختلف تعابيرهما وحقول التدافع بينهما…
حماس كبير لرواد المقهى تحركه نزعة وطنية تعبر عن نفسها بلغة ذكورية تحمل في لا شعورها استمرار مظاهر “مقاومة “متجذرة” في الوعي الاجتماعي لتواجد النساء بالفضاء العمومي والمؤسساتي.
على سبيل المثال لا الحصر، تساؤل العديد من رواد المقهى عن الهوية الجنسية للاعبات الأفريقيات إن لم يكنّ رجالا!!، استعمال إيحاءات جنسية في وصف بعض اللقطات الجميلة في المباراة للاعبات المغربيات…الخ…ربما اللوحة تختلف بالنسبة لمن شاهد المباراة مباشرة من داخل الملعب… هذا دون استحضار الطبيعة الباردة لتفاعل المجتمع مع هذا الإنجاز المزدوج: نصف نهائي افريقي والمونديال…
بل إن قناة beinsport كتبت بالبنط العريض “منتخب المغرب للإناث اول بلد عربي يتأهل إلى كأس العالم”!! إجمالا، تبقى هذه السلوكات وردود الأفعال الاجتماعية صورة مصغرة عن مظاهر التحول المعاق والحلقة المفرغة من الانتقال نحو الدولة الديمقراطية ومجتمع المواطنة، كما يقول الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي: “عالم قديم يموت، وعالم جديد لم يتمكن أن يولد بعد.”
مع ذلك، نفترض أنه من دلالات هذا التأهيل المستحق إلى المونديال ونصف نهاية كأس إفريقيا، هو انبثاق واختمار واضحين لتطلع نسائي يتصاعد والذي يعبر عن نفسه في مجالات عدة في مقدمتها الحراكات الاجتماعية، المجال التعليمي، الحقل الرياضي وكذلك فضاءات المهن اليدوية والفكرية والممارسة الجمعوية… حقيقة، البنية الاجتماعية للمجتمع المغربي تعيش منذ فترة ليست بالقصيرة مخاضا مهما من التحولات الديمغرافية والسوسيو-مجالية والقيمية من جملتها أن أغلبية ساكنة المغرب حضرية تهيمن عليها النساء عدديا، الانتقال من الأسرة الممتدة إلى نمط الأسرة النووية، تغير تدريجي وبطيء في الأدوار وبروز بعض تجليات العمل البيتي كعمل يعرف اقبالا ذكوريا إما بشكل مكره نتيجة خروج الزوجة إلى العمل أو نتيجة تحول في الذهنية الذكورية وارتفاع منسوب ” الوعي المساواتي”، تزايد حجم اليد العاملة النسائية في النسيج الاقتصادي وخاصة في القطاع غير المنظم والمهن الهشة، بالإضافة إلى بعض التغيرات التشريعية والانتخابية “واعتماد “مقاربة النوع وتوظيف آلية الكوطا والتمييز الايجابي رغم محدودية تلك الآلية…
لكن، في اعتقادنا، يبقى أكبر عائق أمام تحرر النساء من سلطة النظام البطريركي بشتى أبعاده السياسية والايدلوجية والسوسيو-تاريخية، هو تجاوز هشاشة الوعي المساواتي داخل الأوساط النسائية ذاتها والتي تعمل على تغذيتها وإعادة إنتاجها “الأصولية المخزنية” وحركات “الإسلام السياسي باعتبارها حركات ذكورية بامتياز تجمع بين جدلية الحرمان الجنسي وتصور المرأة كمصدر متعة وفتنة وبالتالي ليس من مصلحتها الاستراتيجية أن تمتلك النساء تصورا متقدما وجذريا لحريتهن وللمصير المشترك مع الرجل، وعلى حد تعبير الفيلسوفة الوجودية الفرنسية والناشطة السياسية والنسائية سيمون دو بوفوار (Simone De Beauvoir) “الفكرة ليست أن تأخذ المرأة السلطة من يد الرجل، فهذا لن يغير شيئاً في العالم، الفكرة تحديداً هي تدمير فكرة السلطة نفسها…”
هنيئا للمنتخب المغربي بصيغة المؤنث…
مسار موفق…