قضاة يسيئون إلى الوطن وإلى القضاء
خلّف الحكم بشهر نافذ و500 درهم غرامة الذي أصدرته المحكمة الابتدائية بتطوان في حق فتاة ظهرت في فيديو جنسي نشره شريك سابق لها، موجة انتقادات حادة لهيئة المحكمة التي أصدرت الحكم وللقانون الجنائي المغربي. وسبب الانتقادات شعور الحركة النسائية والحقوقية بالمرارة جراء تحويل الفتاة من ضحية إلى جانية بسبب تغييب روح القانون ونصوصه وانسياق هيئة المحكمة مع ردود الأفعال التي تتحكم فيها الثقافة الذكورة المعادية للمرأة وكذا القيم الاجتماعية الرثة التي تحمّل النساء كل شرور المجتمع. فالهيأة إياها تأثرت بالثقافة السائدة أكثر مما تمثلت وتأثرت بروح القانون . ويمكن إبداء الملاحظات التالية:
1 ــ إن هيأة المحكمة خرقت القانون بمتابعة الفتاة على فعل شاركت في ارتكابه مع مسرّب الفيديو قبل أكثر من أربع سنوات، أي قبل زوجها وإنجابها لطفلين. وهذه المدة، كافية من الناحية القانونية، لإسقاط المتابعة بتقادم الجنحة المرتكبة وفق منطوق المادة 5 من ق.م.ج والتي تنص على ما يلي ”تتقادم الدعوى العمومية ما لم تنص قواعد خاصة على خلاف ذلك بمرور:
” … خمسة عشرة سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجناية،”
“…. أربع سنوات ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجنحة، “
“… سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب المخالفة،”
فبناء على شهادة أم الفتاة وأبيها، فإن الفعل ارتكبته ابنتهما وهي في سن المراهقة. وباعتبار الفعل ارتكب في مكان مغلق، فالمفروض إسقاط تهمة الإخلال بالآداب العامة عن الفتاة وإلباسها إلى شريكها مسرّب الفيديو.
2 ــ إن هيأة المحكمة عطّلت القانون لمّا لم تحرك المتابعة القانونية في حق شريك الفتاة بتهم ينص عليها القانون الجنائي وكذا المنشور الذي أمر الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة السيد محمد عبد النباوي بتوزيعه على الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية في عموم المغرب من اجل التطبيق الصارم للإجراءات الجديدة بخصوص الحماية الخاصة للأفراد. الأمر الذي جعل هيأة المحكمة تحوّل الفتاة من ضحية إلى جانية ضدا على منطوق القانون الجنائي بعد التعديلات التي أدخلت عليه والتي تجرّم المساس بخصوصية الآخرين من خلال نشر صورهم أو أقوالهم بغرض التشهير . فقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء أدخل ثلاث تعديلات على الفصل 447 من القانون الجنائي، بحيث أصبحت هذه السلوكيات تقع تحت بند انتهاك خصوصية الغير. والتعديلات هي: 1-447 و 2-447 و 3-447.
فحسب الفصل 1-447 فإنه “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها، ويعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته”.
أما الفصل 2 – 447 فـ “يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة للأشخاص أو التشهير بهم.”
واضح، إذن، أن هيأة المحكمة، وهي تنظر في التهمة الموجهة للفتاة، غيّبت هذه الفصول القانونية، مما جعلها بدل الانتصار لحق الفتاة بمتابعة المجرم الحقيقي بالتهم التي يحددها الفصل 447 المعدّل من القانون الجنائي، أدانتها. وهي بهذا تكون قد خرقت القانون وعطّلته.
3 ــ إن هيأة المحكمة غيّبت الجوانب الإنسانية والنفسية والاجتماعية وهي تصدر حكمها ضد الفتاة. ذلك أن هذا الحكم لم يتوخ إصلاح الضحية/المتهمة كما هي غاية القانون الجنائي، بل تدمير الفتاة نفسيا، بحيث لم تكف هيأة المحكمة الصدمة النفسية التي أصابت الضحية وعائلتها وأبناءها بعد نشر الفيديو على نطاق واسع؛ ولا راعت الظروف الاجتماعية وصورة الضحية بعد التشهير والإدانة في محيطها العائلي والاجتماعي، فزادتها جرحا على جرح وصدمة على صدمة.
فالإدانة، في هذه الحالة صارت أقسى من التشهير الذي قصده ناشر الفيديو. إذ لو ألغت هيأة المحكمة المتابعة في حق الفتاة الضحية وباشرتها في حق الجاني لكانت خير مواساة ومؤازرة ودعم نفسي واجتماعي لها. فما قامت به الفتاة في لحظة حميمية يمكن أن تقوم به فتيات أخريات إثر التغرير بهن أو وعدهن بالزواج أو خلال فترة الخطوبة، وهي الفترة التي تعترف فيها مدونة الأسرة بالعلاقات الجنسية بين الخطيبين من خلال إلحاق المولود لأبيه حتى قبل توثيق الزواج. وكان على هيأة المحكمة أن تراعي كل هذه الحيثيات لتسقط التهمة ضد الفتاة الضحية وتعيد إليها الاعتبار بتحريك المتابعة القضائية ضد الجاني تطبيقا للقانون وردعا لكل من تسول له نفسه التشهير والانتقام من الغير.
واقعة إدانة هذه الفتاة قضائيا لم تسئ إلى الفتاة الضحية وأسرتها فقط، بل أساءت إلى الوطن برمته وإلى الدستور المغربي الذي يعلن في ديباجته الإقرار وتبني منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا؛ كما تعطي لخصوم المغرب، وخاصة منظمة “أمنيستي” التي لم تعد تخفِ عداءها للمغرب ولمؤسساته الدستورية ، ملفات مجانية لمهاجمة المغرب والتشهير به.