قراءة في “الوثيقة السياسية” لجماعة العدل والإحسان (1/4)
تسعى جماعة العدل والإحسان، من وراء وثيقتها السياسية، لاستدراج أحزاب المعارضة ومعها الهيئات النقابية والمدنية إلى التحالف الذي طالما دعت إليه ـ الجماعة ـ بهدف تشكيل جبهة معارضة للنظام تمارس ضغوطها عليه والتي، في تكتيكها، ستنتهي إما بالاستجابة لمطالبها، أو بالثورة/القومة ضده على نهج الخميني....
سعيد الكحل
نشرت جماعة العدل والإحسان “الوثيقة السياسية” التي أعدّتها دائرتها السياسية وقدمتها للصحافة يوم الثلاثاء 6 فبراير 2014. وتسعى الجماعة، من وراء هذه الوثيقة، إلى استدراج أحزاب المعارضة ومعها الهيئات النقابية والمدنية إلى التحالف الذي طالما دعت إليه ـ الجماعة ـ بهدف تشكيل جبهة معارضة للنظام تمارس ضغوطها عليه والتي، في تكتيكها، ستنتهي إما بالاستجابة لمطالبها، أو بالثورة/القومة ضده على نهج الخميني. ذلك أن مرشد الجماعة، الشيخ ياسين، وضع أمام أتباعه خيارات ثلاثة لبلوغ هدف إقامة “دولة الخلافة على منهاج النبوة” كالتالي:
(تبدو لنا ثلاثة خطوط سياسية، لا نحصر فيها إمكانات العمل التنفيذي، إنما نتخذها وجهات لتأملاتنا:
1- الدخول في تعددية الأحزاب، والترشيح للانتخابات، وما يقتضي هذا من علنية العمل والمرونة الدائمة وطول النفَس.
2- الخط السياسي الثاني الذي يبدو لنا في الساحة هو الخط الشديد، خط التميز والقوة والرفض.
3- الخط الثالث كما نراه هو في الواقع نضج الخط الأول وبلوغه الكمال. هو خط التنفيذ بالقوة بعد أن يتم الإعداد، ما عيب حركات الشباب الغاضبة غير تعجّلهم النتائج. هذا الإمام الخميني قاد عملية التنفيذ في إبانها. فكانت قوة جند الله قد استكملت الإعداد، وكان لها من الحجم والتغلغل في الشعب ما ضمن لها النصر.) (ص: 412، 418 العدل).
طبعا، لم تستجب الأحزاب لدعوة الجماعة بسبب تباين المشاريع السياسية والمجتمعية، خصوصا وأن مرشد الجماعة نهج أسلوب التهديد والوعيد، سواء ضد النظام الملكي عبر رسالة “الإسلام أو الطوفان”، أو من خلال كتابه “حوار مع الفضلاء الديمقراطيين” الذين خيّرهم بين الانضمام إليه والتحالف معه وبين “الطوفان” الذي سيسحقهم. هكذا خاطبهم مهدّدا (تفوت الفرصة إن انتظرتم حتى يخفق لواء الإسلام على الربوع.. كلمة تفوت فرصتها. وإلا فالوكيل الله، والقوي الله، والقاهر فوق عباده الله.. وإنه دائما الإسلام أو الطوفان. خاطبنا من يعلم أن للكلم معنى، وأن بعد اليوم غدا) (ص 8).
موقف الجماعة وشروطها من المشاركة في الانتخابات كالتالي (ولأن المشاركة وسيلة فقط لهدف أسمى هو الدفاع عن الإسلام، وخدمة مصالح المسلمين فإن اعتمادها مشروط بمدى تحقيقها لهذا الهدف وإلا لا فائدة ترجى من تسيير المؤسسات، ونظرا لأن النجاح في الانتخابات لا يمكِّن من ذلك في المغرب، فإن الجماعة لا ترى الانشغال بالوسيلة عن الهدف).
فالشيخ ياسين حصر الديمقراطيين بين الانصياع للميثاق الذي وضعه إطارا للتحالف معه، وبين الطوفان والمقاتلة إن هم رفضوا، كما في قوله (ميثاق وحوار.. وإلا فهي المقاتلة عاجلا أو آجلا) (ص 6). قوبلت دعوات الشيخ ياسين وتهديداته بالرفض من طرف المعارضة السياسية منذ 1994 إلى أن وافاه أجله. حاولت الجماعة استغلال حركة 20 فبراير لتجعل منها نواة “القومة” والشرارة التي تفجر “الثورة” ضد النظام على النحو الذي وقع في تونس ومصر وليبيا مع ما سمي زورا “بالربيع العربي”، لكن وعي شباب الحركة بأهداف الجماعة أفشل مخططاتها.
عزلة الجماعة
إن النهج الاستعلائي الذي اتبعه الشيخ ياسين تجاه الديمقراطيين وعموم التنظيمات الحزبية المعارضة دفعهم إلى الإعراض عن التحالف معه. الأمر الذي زاد من عزلة الجماعة رغم كل محاولاتها الاستفزازية ضد النظام ولعب دور الضحية لاستدرار التعاطف. فخطاب الجماعة ومشروعها السياسي وهدفها إقامة “دولة دينية” يحكمها نظام لا يؤمن بالديمقراطية ولا بالتعددية؛ نظام موغل في الاستبداد والهمجية باسم الدين، نظام يرفض تقاسم السلطة كما يرفض أن تكون له معارضة، جعل ويجعل كل الفرقاء السياسيين يمتنعون عن تلبية الدعوة. إذ لا يمكنهم الخضوع لشروط الجماعة أو الدخول تحت جلبابها، خصوصا وأن مرشدها حسم أمْر الجماعة ومبتغاها (نحن نطلب الإسلام لا الديمقراطية.. فإذا كانت الديمقراطية تضع حدا للتسلط على العباد فنحن هَبَّةً واحدةً، مع كل ذي دين ومروءة لنقول نعم.
لكنَّ الشطر الإيجابي، ما يأتي بعد سَلْب التسلط ونقض بنيانه، أمر لا تفي به الديمقراطية ولا تعرفه) (ص 530 العدل). لهذا اشترط على عموم الديمقراطيين (مشروعنا أيها الأعزاء أن تدخلوا الميدان على شرطنا.. ندعوكم أن تدخلوا معنا الميدان على شرطنا وهو شرط الإسلام) (ص 531 العدل).
إن ما عمّق عزلة الجماعة سياسيا، ليس فقط رفض الأحزاب التحالف معها وفق شروطها، بل أيضا تهميشها كليا من الاستشارات الرسمية سواء حين تعلق الأمر بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية سنة 2000، أو تعديل مدونة الأسرة سنة 2023. كما تم استبعاد الجماعة من المشاركة في تقديم اقتراحاتها بخصوص تعديل الدستور سنة 2011.
إن الجماعة لم تسعَ يوما إلى بناء الدولة الديمقراطية والنضال من أجلها. بل ظل سعيها نحو إقامة نظام “الحاكمية” وتطبيق الشريعة (اللقاء مع الفضلاء الديمقراطيين يوم يسلمون أن الدين ما هو أيام الزينة والصلاة في التلفزيون يتظاهر به من يعلم الله ما في قلوبهم. يوم يعلَمون ويتعاملون مع أبناء الدعوة على أساس أن الدين ليس مجرد شعائر تعبدية، وإنما هو حكم بما أنزل الله) (ص 5 حوار مع الفضلاء الديمقراطيين).
من هنا شددت أدبيات الجماعة على عدم المشاركة في العملية السياسية والانخراط في مؤسسات النظام (ليست طموحاتنا محدودة بموعد انتخابي أو تناوب على السلطة، لأننا نعلم أن تغيير حكومة أو دستور معين لا يكفل إلا حل أزمة عرضية إن كفل وهيهات! ولا يستطيع إلا تهوية الجو السياسي ريثما يدفع تآكل النظام فرقة أو حزبا معينا إلى الانسحاب في مستراح المعارضة الحزبية ليُلمِّع صورته) (ص 324 الإسلام والحداثة).
وهو الأمر نفسه الذي أكدت عليه وثيقة الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان في أبريل 2001 التي حددت موقف الجماعة وشروطها من المشاركة في الانتخابات كالتالي (ولأن المشاركة وسيلة فقط لهدف أسمى هو الدفاع عن الإسلام، وخدمة مصالح المسلمين فإن اعتمادها مشروط بمدى تحقيقها لهذا الهدف وإلا لا فائدة ترجى من تسيير المؤسسات، ونظرا لأن النجاح في الانتخابات لا يمكِّن من ذلك في المغرب، فإن الجماعة لا ترى الانشغال بالوسيلة عن الهدف).
إن ما عمّق عزلة الجماعة سياسيا، ليس فقط رفض الأحزاب التحالف معها وفق شروطها، بل أيضا تهميشها كليا من الاستشارات الرسمية سواء حين تعلق الأمر بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية سنة 2000، أو تعديل مدونة الأسرة سنة 2023. كما تم استبعاد الجماعة من المشاركة في تقديم اقتراحاتها بخصوص تعديل الدستور سنة 2011.
هكذا ظلت الجماعة خارج الإطار السياسي الرسمي، فاقتصرت مناوراتها على تصيّد فرص بعض الاحتجاجات، خاصة تلك التي خاضها الأساتذة في بعض المناسبات، دون أن تتمكن من قطف ثمارها سياسيا وتنظيميا.