قبل جرعة اللقاح، لا بد من جرعة الأمل
من الأساطير العبرية القديمة، قصة متداولة ومعروفة حتى عند غير اليهود. وهي قصة قصيرة، ولكن بمغزى عميق.
تحكي القصة أن يهوديا فقيرا معدما كان يسكن رفقة زوجته وأمه وسبعة من أطفاله في بيت صغير ضيق.
طبعا، عج البيت بصراخ الأطفال وصخبهم. واختلطت فيه روائح المطبخ و الغسيل، بشكاوى الزوجة من قلة اليد، وشكاوى الأم من الزوجة.
مل اليهودي حياته داخل البيت المكتظ و تجه للحاخام طلبا للمشورة والنصح.
وربما طمعا في حل سحري يقلب شقاءه، سعادة وحبورا.
مثل اليهودي، يكاد معظم الناس لا يتوقفون عن التذمر من حياتهم.
منذ سنوات والمغاربة يشتكون الاكتظاظ في أقسام ومدرجات المدارس والجامعات.
يشتكون من حال الطرقات شتاء، ومن حال الشواطئ صيفا، حيث الفوضى والتلوث.
بل يتباكون أيضا على هزالة العرض الثقافي، من مسارح ومكتبات وندوات ودور عرض.
يجلدون رجال الصحة ورجال التعليم ورجال السلطة وكل موظفي الدولة، متهمين الجميع بالكسل والتخاذل وقلة الفائدة.
عودة إلى صاحبنا اليهودي المقهور، توجه إذن إلى الحاخام وطرح أمامه ما ينغص عليه حياته.
“عليك أن تسمع وتنفذ. اشتر خنزيرا ودعه يتجول حرا طليقا داخل بيتك الصغير.”
رغم غرابة الحل المقترح، لم يجد اليهودي بدا من تنفيذه.
بعد شهر عاد إلى الحاخام وقد تحولت حياته جحيما فعليا، فقد انضافت رائحة الخنزير وأفعاله التخريبية لمشاكل البيت الأصلية.
هذه المرة، طلب الحاخام من المشتكي أن يتخلص من الخنزير.
ما إن فعل، حتى استراح وشكر الله لرحيل الخنزير المزعج والمتسخ، الذي كان يمنعه من الاستمتاع برفقة زوجته وأمه وأطفاله.
ها قد عاد الفرح والسعادة أخيرا!
زارنا فيروس كورونا، قادما من الصين البعيدة. فأقفل المسارح والشواطئ والمدارس والأزقة والمساجد.
ثم أرسل عددا منا إلى المقابر وإلى غرف الإنعاش.
لازال هنا، يتربص طلبا للمزيد. ولاشك أننا قادرون على التعايش معه حتى يرحل فنعود إلى حياتنا القديمة.
يحن معظم المغاربة لمدرستهم وجامعتهم، بعلاتها واكتظاظها.
بل يحلم كثيرون بنزهة صغيرة داخل سوق شعبي، بلا كمامة وبلا خوف من خطر العدوى.
كما اكتشف المغاربة معدنا نادرا صنع منه موظفو الدولة بكل القطاعات، فقد أبان الأطباء والممرضون والقياد وأعوان السلطة والأساتذة وآخرون عن عزيمة للعمل ومواجهة الوباء بكل إخلاص ونكران ذات.
لم يكن اليهودي استثناء، حين لم يقدر ما كان يعيش فيه من ستر وحسن حال، قبل قدوم الخنزير.
بتفاؤل وحكمة، الخنزير لا محالة سيرحل.
في آخر النفق، هناك نقطة ضوء بعيدة، ولكن حقيقية، وقبل جرعة اللقاح، لا بد من جرعة الأمل.