عرفت مساحات زراعة الكيف تمددا متواصلا على مر عقود من الزمن، فوصلت إلى القبائل المجاورة لمدن (تطوان، شفشاون، تاونات الحسيمة ووزان ) مما كان له وقع على المعيش اليومي لسكانها حيث تحسنت أحوالهم نسبيا، وارتفعت حرارة التجارة في هذه المدن وأسواقها، ما أدى إلى ارتفاع ثمن العقار بالمدن والمراكز القروية ليصل إلى أعلى مستوى ربما وطنيا ،كما اصبحت هذه المدن والقبائل وجهة الباحثين عن الشغل من مناطق متعددة .
أمام هذه الفورة الاقتصادية، ارتفعت أسعار الخضروات والفواكه والمنتجات الاستهلاكية بشكل ملحو، ما أثر على باقي الفئات ذات الدخل المحدود واستفادت فئة واسعة من تجار المدن طبعا.
لكن هذه المردودية المرتفعة لزراعة الكيف، دفعت العديد من الفلاحين إلى اجتثاث مساحات من الأشجار المثمرة، لعدم تناسب مردوديتها مع مردودية الكيف (أشجار البرقوق والتين حتى الزيتون في بعض الحالات) وكذلك الغابات مخلفا تأثيراته الملحوظة على الغطاء الغابوي على امتداد جغرافية الكيف.
الشباب واليافعون لم يعودوا يذهبون إلى الحقول، بل أصبح العمال هم من يقومون بكل الأشغال وانخفضت مردودية تعلم التلاميذ وارتفعت نسبة الهدر المدرسي مما أوجد فئة عريضة من الشباب بلا مؤهلات مهنية أو معرفية، فنال منها الإدمان وأصبحت تسكن المقاهي وتغيرت موازين القوى داخل هذا المجال بانتقال مراكز القرار إلى مالكي المال الجدد.
هذه الفورة الاقتصادية رفعت من القيمة المالية للأرض كذلك، فعاد إليها العديد ممن غادروها لعقود ما خلق صدامات كثيرة بين أفراد الأسرة الواحدة وكثرت الشكايات الكيدية في أروقة المحاكم، ما أوجد واقعا مأساويا سيتوسع مع انخفاض قيمة الحشيش التقليدي (البلدية) وهو ما سيدفعهم إلى جلب أنواع جديدة ذات مردودية عالية .
بعد استقدام بذور جديدة من الكيف هي فصائل آسيوية من بلاد افغانستان وباكستان وهذه البلدان لها موارد مائية مهمة وعالية تم استقدام هذه الفصائل لشدة مفعول حشيشها ومردوديتها و لكثرة الطلب عليه في السوق السوداء (6kgالى9في القنطار بدل1.5 الى 2بالنسبة للبلدية) هذه المردودية وقوة مفعول مخدرها وارتفاع الطلب الخارجي على هذا النوع من الحشيس خلق نوع من الهيستيريا لدى كبار المزارعين في جل مناطق الزراعة، ولان التساقطات المطرية متوسطة فانهم لجئوا الى حفر الابار العشوائية وتحت جنح الظلام مما استنزف الفرشة المائية ،كما أن المضخات بانواعها الكهربائية وغيرها استنزفت الانهار مما خلق ندرة مياه شرب البهائم انتجت قلاقل في بعض المناطق.
لكن في المقابل هذه التكلفة العالية لهذه البذور المستوردة دفعت بالعديد من المزارعين الصغار التخلي عن زراعة الكيف والعودة الى الفلاحة المعاشية وتربية المواشي كما انخرطوا في جمعيات وتعاونيات لتربية النحل وانشطة اخرى مستفيدين من برامج التنمية البشرية.
كل هذه العوامل ادت الى بداية انحصار رقعة زراعة الكيف وانخفاض ثمنه في السوق الداخلي لوفرة الإنتاج و كذلك لتشديد الحراسة على الحدود ، فعرفت هذه القبائل موجة من الهجرة نحو مدن طنجة وتطوان والقصر الكبير والعرائش ومدن اخرى ،وحتى الذين استقروا نسبيا بالمراكز القروية تخلصوا من عقاراتهم الزائدة ،مما جعل قيمة العقار بهذه المدن تعرف تراجعا مهولا في الأسعار ادى الى انكماش سوق العقار ودفع بالعديد من الحرفيين إلى الهجرة من هذه المناطق كذلك لعدم وجود فرص عمل وعرفت المنطقة موجة من الكساد لم يسبق لها مثيل.
كما انخفض عدد المنعشين العقاريين ومنهم من دخل مرحلة الإفلاس بعدما قل الطلب على الشقق والدور السكنية وبعض المشاكل الاخرى المرتبطة بالإدارات مما جعل ما تبقى منهم يهاجرون كذلك.
هكذا انتهت فقاعة الرواج التجاري المرتبطة بنبتة الكيف.
لهذا، لا بد من رؤية تنموية مندمجة ومستدامة لأقاليم الشمال مبنية على الإمكانيات البشرية والمجالية المتاحة.
وتلكم قضية أخرى وملف آخر.