في التنظيم
تكتسي التنظيمات الحزبية والنقابية والجمعوية أهمية بالغة في المجتمعات المعاصرة بعد تفكك بنية القبيلة والعشيرة وفقدانها لما كانت تمتلكه من سلط (رغم استمرار هذه السلط في بعض جوانب حياتنا)، ذلك أنها تلعب دور الوساطة ووسيلة لاستيعاب الطاقات وصقل المواهب وتأطير المنخرطين والمواطنين لخلق كوادر لتحمل مسؤوليات تدبير الشأن العام وطنيا ومحليا.
فإذا كان التنظيم بيروقراطي، فإنه يصبح له تمثيليات شكلية غير فاعلة ويؤدي إلى محاصرة الطاقات المناضلة والمبدعة وتهميشها عن الفعل .
والتنظيم ليس إلا وسيلة لتطبيق البرامج ونقلها من مجرد شعارات وبرامج مسطرة في أدبياته، إلى التطبيق الملموس. وعندما يتحول هذا التنظيم من كونه وسيلة لتطبيق البرامج، إلى غاية في حد ذاته، هدفها الاحتفاظ بالهياكل وضمان استمراريتها، فإنه يفسح المجال لنمو البيروقراطية، وهذا يؤدي إلى انفصال الأجهزة القيادية عن القواعد، وبالتالي يؤدي إلى زرع الشلل في التنظيم ما يؤدي إلى “موت” التنظيم .
ولهذا، فإن المشاكل التنظيمية لأي تنظيم ليست تقنيات مجردة وإنما هي انعكاس لاختيارات نخبه البيروقراطية، كما أن التنظيم يجب أن يكون مرتبطا ارتباطا عضويا بتطور الحركات الاجتماعية الجماهيرية، فالنمو الكمي للقواعد يطرح على التنظيم ضرورة إيجاد أشكال تنظيمية تساير هذا التطور لرفع الوعي السياسي داخلها، وذلك بربط النضال حول المشاكل بالنضالات التي تخوضها الجماهير المغربية.
وانطلاقا من هدف التنظيم الذي يجب أن يكون من أهدافه الأساسية الحفاظ على الوحدة وتعزيزها، يتوجب تطوير البنيات التنظيمية أفقيا وعموديا .
بهذا المفهوم، تأخذ المبادئ الأساسية العامة والصحيحة للتنظيم مضمونها الحقيقي، وعلى هذا الأساس، فالأزمة التي تعيشها التنظيمات، والخروقات مرجعها الهوة بين الشعارات والممارسة على أرض الواقع.
ولتجاوز هذه الأزمة، لابد من وضع قوانين بروح ديموقراطية ومفصلة لضبط التداول على المسؤولية حاملة في أحشائها آليات تدبير الاختلاف لتعزيز الديموقراطية الداخلية على صعيد الهياكل والفروع لتجاوز مركزية القرار التي تعاني منها كل التنظيمات والتي جعلت حقلنا السياسي والنقابي والجمعوي عاجزا عن الفعل.