فساد في قطاع الصحة: حيل لتخويف المرضى، وأدوية منتهية الصلاحية وميزانية بالملايير لا أثر لها…! (تقرير شبكة الدفاع عن الصحة)
كشف تقرير للشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة عن أرقام مهولة تؤشر على درجة الفساد المستشري في القطاع الصحي بالمغرب بسبب الرشوة والتلاعب في الصفقات العمومية لأجل الاغتناء الشخصي، مرورا ب”تمرير” أدوية منتهية الصلاحية للمرضى، إلى الحيل التي باتت قاعدة في التعامل مع حالات المرضى عبر تخويفهم لأجل المكوث في المؤسسات الاستشفائية لوقت أكثر…
طالبت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة الحكومة ووزارة الصحة ب”محاسبة المفسدين ومنع وحظر الشركات التي يعرف أنها تنخرط في ممارسات الفساد من المشاركة في الصفقات العمومية لفترات محددة أو دائمة، وضمان استمرارية الرقابة الحازمة على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى والرقابة على التدبير المالي وضمان الشفافية والحكامة ومحاربة والفساد والمنافع الشخصية أو المالية أو الاغتناء اللامشروع.”
وأكدت الشبكة التي يرأسها علي لطفي، في تقرير لها على ضرورة أن تعمل الحكومة المغربية على دعم المستشفيات الجهوية للصحة والوكالة الوطنية للتامين الصحي وصناديق تدبير نظام التأمين الاجباري عن المرض ونظام الراميد، داعية إلى خلق مجلس أعلى للصحة للتوجيه والتقييم بدل “اللجان العلمية الوهمية والصورية والموجهة والمتورطة بعضها مع شركات الأدوية واللقاحات والتجهيزات”، تدريب كافة الموظفين العاملين بوزارة الصحة على تدعيم قيم النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، وتكوين لجان مستقلة على المستوى الجهوي والوطني تضم أيضا المهنيين وممثلي السكان والمجتمع المدني المختص، للأشراف على الصفقات العمومية ومراقبة المشتريات واختيار الادوية والجودة وعملية الفحص والتدقيق العام على المستوى الجهوي والمحلي في إطار اللامركزية الصحية وتقديم التقارير إلى المفتشية العامة لوزارة الصحة وللمجلس الاعلى للحسابات.”
فساد مستشري في كل القطاعات
سجل تقرير الشبكة أن الدولة تنفق على القطاع الصحي سنويا نسبة 2% من الدخل الوطني و 5 % من الميزانية العامة للدولة، وصلت 18 مليار درهم سنة 2020، ويتم تمويل معظمها بواسطة دافعي الضرائبـ، فضلا عن الإعانات والمساعدات الدولية والقروض، بما فيها الدعم المالي واللوجستيكي للمنظمة العالمية للصحة لبرامج صحية ذات الأولوية كالسل والسيدا وصحة الطفل والأم والتكوين وتطوير البنيات الصحية وتأهيل الاطر والكفاءات…
غير أن القطاع الصحي ظل، يشير التقرير، ولمدة طويلة، يشكو من مظاهر الفساد والارتشاء، وغالبا ما يتم استغلال وهدر هذه الأموال في أمور أخرى لا يستفيد منها المرضى أو برامج الرعاية الصحية، ما أدى إلى تدهور الخدمات، ولاسيما في القطاع العام، إما بسبب هدر الإمكانيات أو بسبب الفساد في صفقات شراء أدوية أو لقاحات أو تجهيزات أو مستلزمات طبية.
وغالبا ما يتم تغطية الفساد الحقيقي والمكلف لخزينة الدولة، يوضح التقرير، بتقارير عائمة توجه أصبع الاتهام بالرشوة فقط إلى بعض المستخدمين، في حين إن الرشوة مرض مجتمعي عام لا يخرج أي قطاع عن قاعدته، سواء تعلق الأمر بالصحة أو التعليم أو العدل أو الأمن أو الجماعات أو الجمارك… لكن هده التقارير الصادرة عن مؤسسة ترانسبرانسي المغرب أو هيئة أو لجنة محاربة الرشوة… تترك الفساد الحقيقي، أي الفساد المالي والإداري، الدي ينخر الجسم الصحي بالمغرب ويحرم ملايين المواطنين من حقهم في ولوج العلاج والدواء. ويتعلق الأمر هنا بالفساد الذي يصيب الصفقات العمومية والأدوية والتجهيزات والتي تقدر بملايير الدراهم، وهو سبب التردي والانهيار المستمر للوضع الصحي وإلى ارتفاع معدل الوفيات وإفراغ البلد من كفاءاتها الطبية والهجرة إلى أروبا…
فقدان نسبة 5 بالمائة من الدخل الوطني نتيجة ارتفاع منسوب الفساد
وسجل التقرير أن المغرب يفقد نسبة 5 في المائة من الدخل الوطني نتيجة ارتفاع منسوب الفساد، أي ما يعادل 50 مليار درهم سنويا. إذ يحرم الفساد في المجال الصحي يحرم ملايين المواطنين من ولوج العلاج والدواء، في حين قدرت منظمة الشفافية الدولية أن الفساد في قطاع الصحة قد يكون حدا بين الحياة والموت. كما أن يؤدي في القطاع الصحي لتحويل وتوجيه الأموال إلى مشاريع محددة لمنفعة شخصية أو مالية بغض النظر عما إذا كانت تتناغم والسياسة الصحية على المستوى الوطني أو الجهوي.
حسب المنظمة العالمية للصحة، يعيق الفساد في قطاع الصحةن بشكل مباشر، التقدم نحو التغطية الصحية الشاملة عن طريق إعاقة حصول الأشخاص على الخدمات الصحية ذات الجودة العالية، وكذلك حصولهم على الأدوية الآمنة والفعالة، وتقويض نظم الحماية من المخاطر المالية. فيما يشكل الفساد أيضاً موضوعاً شاملاً في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDG)، والتي تهدف إلى تحسين صحة السكان، وتعزيز العدالة والمؤسسات القوية والنهوض بالتنمية البشرية المستدامة.
وأورد تقرير الشبكة ما سبق وأن أورده تقرير دولي تقرير دولي حديث أكد على أن القطاع الصحي في المغرب يعاني من “مشاكل عدة؛ تتمثل في تدني الأجور واحتجاجات العاملين واستشراء الفساد والرشوة. وإن عدداً من المصحات الخاصة تفرض رسوماً أعلى على المرضى مستفيدة من عدم وجود رقابة كافية عليها”.
فضائح بالجملة: غش وتدليس واقتناء أجهزة “خردة”
سجل تقرير الشبكة أن القطاع الصحي الوطني لا زال على إيقاع فضائح فساد كثيرة ومتنوعة… ليس آخرها فضيحة مستشفى تمارة الذي لم تفتح أبوابه بعد عشر سنوات من تدشينه، فيما بلغت كلفته أربع مرات ما كان مخصصا له من ميزانية للبناء والتشييد، ثم فضيحة صفقة الإطار للقاحات التي كلفت ميزانية ضخمة للوزارة وطوي الملف، مرورا بفضيحة أكبر مستشفى متنقل الذي كلف ميزانية وزارة الصحة 10 ملايير، وهو الأن في مأرب وزارة الصحة، يعشعش فيه العنكبوت، ولا يفيد ساكنة المناطق المحاصرة بالثلوج والبرد في شيء، بجانب 70 سيارات إسعاف كلفت 340 مليون للواحدة تستعمل فقط في تغطية المهرجانات الكبرى، وصولا إلى أكبر صفقة للأجهزة الطبية القديمة أو “أجهزة الخردة” التي تم شراؤها من طرف المديرية الجهوية لطنجة –تطوان- الحسيمة، على أساس أنها أجهزة طبية جديدة، وتسلمت الشركة مستحقاتها كاملة في صفقة مدوية في عهد الوزير الوردي، وجنت أرباحا كبيرة غير مشروعة في تسليمها لأجهزة قديمة ، ولازال الملف يراوح مكانه يقبع اليوم في رفوف المفتشية العامة لوزارة الصحة ،ومؤشرات ودلائل الفضيحة امام مكتب السيد وزير الصحة الحالي، وقد كلفت هده التجهيزات بثمنها الحقيقي خزينة الدولة ملايين الدراهم علما انها تجهيزات الخردة التي تمت صباغتها قبل تسليمها للجهة ، وتعرف اليوم اعطاب متكررة رغم ما تخصصه الجهة الصحية من أموال إضافية لصيانتها، بما فيها تلك التي سلمت الى المؤسسات الصحية بإقليم الحسيمة، وحرم بذلك فقراء جهة طنجة تطوان الحسيمة من الرعاية الصحية من خلال أجهزة طبية بمواصفات وتقنية علمية وتكنلوجية دقيقة، وبالتالي يضطرون إلى الانتقال إلى جهات الرباط أو الدار البيضاء أو التوجه نحو لقطاع الخاص للقيام بالفحوصات والتشخيص الدقيق لحالاتهم الصحية.
ان ظاهرة التزوير والتدليس والغش والارتشاء في صفقات الأدوية المنتهية الصلاحية او الأجهزة الطبية والمستلزمات الطبية القديمة التي يتم إعادة تنظيفها وصباعتها وتقديمها على انها أجهزة جديدة لشركات كبرى عالمية وبموصفات تقنية وتكنلوجية متقدمة ، لا تتوقف عند حدود جهة طنجة تطوان الحسيمة ، بل مست عدة جهات صحية ومراكز استشفائية ، لكن في غياب المراقبة الصارمة والمحاسبة المسؤولة ، فتح كل أبواب القطاع الصحي على مصرعيه للتلاعب بالمال العام والفساد والهدر والتسيب من خلال ممارسات تتنافى والقوانين الجاري بها العمل والأخلاق المهنية ، كالموافقة على قيم ومبالغ مالية تتجاوز القيمة الحقيقية للأجهزة الطبية او في جودة الأدوية و العقاقير الطبية والمستلزمات الطبية ، والمتاجرة في ادوية منتهية الصلاحية وزرع أجهزة طبية منتهية الصلاحية ، التي غالبا ما يكون ثمنها باهظ لا يتناسب مع جودتها ، فضلا عن صفقات خدمات الصيانة والنظافة والحراسة او التغذية الخاصة بالمرضى ، كما يقع اليوم من فضائح يندى لها الجبين بمستشفى الأطفال والولادة بالرباط ، حيث تقدم تغدية سيئة جدا للأطفال المرضى المقيمين بالمستشفى وهم في حاجة ماسة لتغدية سليمة ومقوية وهي التي تمتل طبيا نصف علاجهم واغليهم فقراء يتم التلاعب بغدائهم وتجويعهم ونقل المواد الى المنازل … واستخلاص أموال ورسوم الخدمات الصحية من المرضى المصابين بداء السل دون وجه حق ، كما يقع بمستشفى مولاي يوسف بالرباط للأمراض الصدرية رغم ان علاج داء السل مجاني تتحمله نفقاته وزارة الصحة ودعم مالي سنوي للمنظمة العالمية للصحة كما ان عدد كبير من المرضى أصيبوا بتعفنات داخلية للمستشفيات واصابة بعدوى فيروس الكبد. وانتشار عدوى السل في صفوف الأطباء والممرضين والعاملين نتيجة عدم تعقيم وتنظيف التجهيزات والمعدات المستعملة وغياب وسائل الوقاية
فعلى الرغم من أن غالبية العاملين في القطاع الصحي يقومون بأداء مهامهم ورسالتهم العلمية والإنسانية النبيلة بجد ونزاهة وكفاءة مهنية عالية ونكران الذات ويستحقون فعلا التنويه بدلك ، ورغم اشتغالهن في ظروف وشروط عمل شاقة ومتعبة جدا اقل ما يمكن القول عنها انها ظروف غير إنسانية، بسبب قلة الموارد البشرية وضعف الإمكانات الوسائل اللوجستيكية والأدوية الضرورية، بما فيها ادوية المستعجلات . الا ان هناك مؤشرات وأدلة قاطعة لانتشار الفساد في عدد من المؤسسات الصحية والمراكز الاستشفائية الجامعية ، يؤكدها العاملون الصحيون انفسهم، في عدم شفافية تنظيم الصفقات العمومية والتحايل على القانون مع شركات معينة ، بتقديمها رشاوي للمسؤولين، والارتشاء في تقديم الخدمات الصحية او في نقل واستعمال أجهزة طبية من القطاع العام الى القطاع الخاص او تحويل مساعدات طبية حصلت عليها المستشفيات من منظمات دولية او من محسنين الى المصحات الخاصة ، وأيضا المساهمة في توجيه المرضى من القطاع العام الى القطاع الخاص مقابل عمولات مالية
حيل لتخويف المرضى، وأدوية منتهية الصلاحية…!
لذلك فأشكال الفساد هذه تفشت وتصاعدت لتخترق حتى القطاع الخاص حيث وصل الأمر بمصحة كبيرة بالعاصمة متخصصة في القلب والشرايين الى تقديم ادوية منتهية الصلاحية للمرضى مصابين بأمراض القلب والشرايين دون وازع أخلاقي أو طبي وبهاجس ربح سريع او مصحات تقوم بعمليات جراحية غير مبررة طبيا، الكذب على المرضى وتخويفهم بخطورة حالتهم الصحية لإجراء عملية جراحية مستعجلة، وإقناعهم بأجراء عملية جراحية وهمية او النفخ في ارقام فاتورات العلاج للحصول على تعويض من صناديق التامين الاجباري عن المرض.. فضلا عن الأخطاء الطبية الخطيرة المتكررة ، بعضها امام المحاكم اليوم او الأداء بالنوار وفرض شيك الضمان، وفرض أسعار تفوق بكثير وتضاهي مثيلاتها في أوروبا وأمريكا.
وتعتبر الشبكة أن مواجهة الفساد في مجال الرعاية الصحية، قضية عمومية جوهرية، ولا تمكن مكافحته، في القطاع الصحي، إلا عبر توفر وسائل إعلام متخصصة ومجتمع مدني قوي. وضمان شفافية المعلومات عن القطاع الصحي. وأن علاجه يتطلب تقييم المخاطر المحتملة، ووضع تدابير وقائية والالتزام بالسيطرة على الفساد من خلال أهداف التنمية المستدامة حسب المنظمة العالمية للصحة.