كرونيك

عودة شباط

يبدو أن سخاء الذئب المعلوم لا حدود له.

بعد أن غادر عمدة مدينة فاس السابق البلد واستقر رفقة أسرته في أرض الله الواسعة، أصابه الحنين لماء فاس ودروب فاس، فعاد مسرعا، لا يلوي على شيء. سوى، ربما أجرة البرلماني التي انتظرته بوفاء العاشقين إلى أن مل الترحال، فرجع بحثا عنها وما معها من سخاء يموله دافعوا الضرائب.

بعد أن انتفض برلماني مغوار آخر وضرب بكفه الطاهرة على طاولات البرلمان المعقمة ثم أخبرنا بكل شيء، لم يعد سرا أن ممثلي الأمة لا يشتغلون فابور أو بيليكي، حسب التعبير التقني الملائم.

عاد إذن شباط وجلس مثل سائر نواب الأمة، ينظر للجمع المحترم من وراء حجاب.

وليس أي حجاب.

فقد يطال سخاء البرلمان أقنعة النواب التي تحجب عنهم الفيروس وتحجب عنا وجوههم “القاسحة”.

وربما يضيفون في قادم الأيام تعويض الكمامة أيضا.

لم يتجرأ أي منهم على مساءلة المالكي حول النظام الداخلي للمؤسسة التشريعية، ومسطرة الغياب.

صحيح أن نار الشوق لمعانقة العائدين قد تنسي العتاب والملامة وكل الأنظمة الداخلية.

يوما ما، أحضر العمدة السابق مجسما يشبه برج إيفل الفرنسي، وغرسه داخل إحدى مدارات فاس.

كان ينوي تجنيب الفاسيات والفاسيين عناء مواعيد الفيزا الطويلة، ودوخة السفر وخطر حوادث الطائرات، فيخرج الواحد منهم راجلا من بيته إلى حيث النصب، ثم يلتقط صورا جميلة كأنه في باريس، دون عناء.

اختفى بعدها البرج المزور، وماهي إلا شهور معدودة حتى اختفى النائب شباط الموقر.

بالمناسبة، أين اختفى صاحب الأجر مقابل العمل؟ عشرة دراهم، لا غير، كافية لتمويل لايف صغير يشرح لنا، نحن معشر الجاهلين والمشككين، موقع كل هذا من حرصه الشديد على المال العام حين قرر، وهو رئيس الحكومة، أن يقتطع أجرة يوم يتيم لكل موظف يمارس حقا دستوريا في الإضراب والاحتجاج، ثم يصمت صمت القبور عن التعويضات المتعددة، وعن غياب النواب الطويل دون حسيب أو رقيب.

وبين الغياب والحضور، مرت انتخابات واقتربت أخرى.

ها قد ظهر السبب.

أما العجب، فلا يمل من السياسة في أجمل بلد في الدنيا حيث السخاء بلا حدود.

تقاعد الزعيم شخي.

البرلمان شخي.

والموظف شخي كذلك.

فهو من سيدفع الفاتورة، بعد أن قررت الحكومة أنه هو المسؤول عن التضامن دون غيره، لسبب قد يجيب عليه وزراء الحكومة ونواب الأمة خلال مناقشة مشروع قانون المالية، مدعومين بحضور زميلهم شباط.

أما الذئب، فهو بريء من برج إيفل الفاسي، ومن مديونية البلد، ومن عودة شباط، ومن ظلم الحكومة للطبقة الوسطى المستمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock