مدارات

عزيز حميد يكتب: البيعة عند جماعة “الإخوان المسلمون”

هي صورة مصغرة لما يؤسسون له.

يلتحق المريد شابا مفعما بالحياة.. وبعد مدة من التمرين والمصاحبة داخل “الأسرة” التنظيمية، يجد نفسه في مواجهة لحظة مفصلية ترهن حياته للأبد بيد من يتولى شؤون الجماعة.. هي اللحظة التي سيعلن فيها بيع(ة) نفسه من خلال نص يراد له أن يقسم عليه.. يده على المصحف وعينه على السيف “وأعدوا لهم ما استطعتم”..

في بيعة الإخوان… تتماهى خدمة الدين بخدمة الجماعة، خدمة يتجرد بموجبها العضو العامل من أهليته وإرادته.. ليصبح جنديا من جند الله، أي جند الجماعة. والجندي لا يناقش ولا يحق له أن يفهم أو يقتنع، إنما ينفذ الأوامر “في العسر واليسر وفي المشرط والمكره”، ويؤثر على مصلحته الشخصية مصلحة الجماعة التي لا يسمح له أبدا بالمشاركة في تقديرها، فهو كفرد غير موجود على الإطلاق، وليست له إرادة مستقلة عن إرادة المرشد.

في بيعة الإخوان، كل شيء للمرشد.. للجماعة وأهدافها.. الجهد والمال والدم.. يقتطع العضو من وقته ومن رزق عياله لأداء ما يريده القائمون على أمره، ولا يهم أن يعلم أو يعرف ما يريدون،هو جندي يُسأل (بضم الياء) ولا يَسأل (بفتحها)، فقد عاهد على السمع والطاعة في كل الأحوال.

في ببعة الإخوان، يتنازل العضو عن حقه في البحث والمعرفة. المعرفة تأتيه من فوق، فإذا هو مجرد وعاء لاستقبال ما يبعث به مكتب الإرشاد. لا يقرأ إلا ما يسمح به.. لا بتجاوز.. لا يعترض.. لا يجادل.. ولا يبدي رأيا في أي أمر.. لأنه بايع على “ألا ينازع الأمر أهله”.

في بيعة الإخوان، تمنع مراجعة الذات.. وإعادة قراءتها على ضوء المتغيرات والمستجدات التي يفرضها الزمن وتطور الأحداث “من نكث فإنما ينكث على نفسه”، الانضمام إلى الجماعة يتحول إلى عقيدة.. والعقيدة في عرف الجماعة قفص كبير محكم الإغلاق.. من دخله لا يخرج منه إلا ملعونا.. أو مقتولا (معنويا على الأقل..)

هكذا يصطاد المرشد شبابا يبحث عن ذاته.. فإذا توهم أنه قد وجدها.. منحها لغيره على طبق من غباء.. يتصرف فيها كما يشاء.

المسألة هنا أكبر من مجرد انتماء إلى جماعة. المسألة تتعلق باستعداداتها لتسلم قيادة الدولة والمجتمع. أي بطموح سياسي تكون السياسة أول ضحاياه.. فمفردات البيعة هي مفردات فقهية تريد أن تقتحم مجالا ميزته الأساس في الاختلاف.. والتداول على قاعدته بالاختيار الحر الذي تسعى الجماعة إلى قتله وتذويبه.. إن تغييب مفهوم الفرد الحر المسؤول هو في جوهره تكريس لمفهوم القطيع.. والقطيع ينقاد ولا يقود..يتبع ولا يفكر.. لذلك ليس هناك ما يبرر غضب الإخوان من نعتهم بالخرفان.. فهو توصيف لحالة ارتضوها “طواعية”..

ما ينطبق على جماعة الإخوان ينطبق على كل الحركات الدينية وهي تتصدى للعمل السياسي.. فبيعة الدواعش مثلا مرجعيتها بيعة الإخوان.. رغم كل المزاعم بوجود اختلافات بين الفريقين .. “أبايع خليفة المسلمين وأمير المؤمنين أبي بكر البغدادي الحسيني القرشي الفاطمي!!!!!! على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر، ولا أخالف السمع والطاعة إلا أن أرى كفرا بواحا عندي فيه من الله برهان. والله على ما أقول شهيد.”

الإخوان المسلمون جماعة سياسبة تحت عباءة الدعوة.. خاضت تجربة الحكم على أساس متين من مقتضيات هذه البيعة.. وكانت النتائج كارثية في أكثر من تجربة..وإذا تخلت الأسر البيولوحية الحقيقية عن أبنائها.. ستتكلف هذه الحركات والجماعات بإدماجهم في أسر من الديناميت.

الفكري والعقلي والعقدي.. ليصبحوا مع مرور الوقت رصاصات في خدمة مشروع فئوي مذهبي.. لا يخدم سوى مركب مصالحي يستثمر في الدين ويوظفه حسب ما تقتضيه الحاجة والمصلحة. الجماعة ليست حركة دعوية.. هي أخطبوط  سياسي بأذرع تطال كل المجالات.. يعرفه المؤسس حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس بقوله “دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية”!!!!!!! .. قول فيه الكثير من التعويم والتمويه.. ولو أنه في رسالة المؤتمر السادس يحاول أن ينفي صفة الحزبية عن جماعته حيث يقول”أما أننا سياسيون حزبيون نناصر حزبا ونناهض آخر،فلسنا كذلك ولن نكونه، ولا يستطيع أحد أن يأتي على هذا بدليل أو شبه دليل “.. مرت السنوات وأتى الدليل من أحفاذه حين أسسوا حزب الحرية والعدالة في مصر..وأصبحوا بأمر المرشد حزبا لا تتوفر في قواعده التنظيمية والفكرية والسياسية أدنى شروط ومواصفات الحزب المدني.. فالبيعة التي أرادوها مطلقة أبدية تقوض أسس البناء الديمقراطي في أية حركة سياسبة يفترض أنها متجددة  ومتفاعلة مع الواقع ومتغيراته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock