عزيز ادامين: التعذيب في زمن كورونا بالمغرب (وجهة نظر)
عاد موضوع التعذيب الذي يمارسه بعض رجال الأمن على المغاربة، خلال مرحلة تدبير أزمة الكورونا، وذلك بعد أن نشرت عائلة السيد “زكرياء أورحو” المقيمة بمدينة الخميسات، بلاغا يوم 16 أبريل 2020، تتحدث فيه عن ادعاءات ابنها، الذي خرق حالة الطوارئ الصحية، بتاريخ 09 أبريل، بأنه تعرض للضرب والتعذيب أثناء نقله عبر سيارة الأمن من قبل شرطيين، حددت هوية أحدهما (م ح)، متحدثا عن أن آثارا للتعذيب لازالت ظاهرة على وجهه وخاصة عينه اليمنى إلى غاية كتابة البلاغ المذكور، وبعد تقديمه أمام أنظار النيابة العامة تمت إحالته على المستشفى الإقليمي للمدينة، التي سلمته شهادة طبية حددت نسبة العجز في سبعة أيام.
تدفعنا هذه الواقعة مرة أخرى إلى الحديث عن حماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة فيروس كورونا، وهو الموضوع الذي أثار بعض النقاشات المتعددة، وكُتب حوله مقالات من قبل مسؤولين عموميين كوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، أو من قبل باحثين ومدافعين عن حقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، الذي نؤكد فيه مرة أخرى أن حالة الطورئ الصحية ليست بمسوغ للمس بالحقوق والحريات، ما عدا ما هو مسطر عليه بالخط العريض قانونا، أي التقليل من تنقل الأفراد ومنع التجمعات وفرض بعض التدابير الإجرائية كوضع الكمامات الذي لم يعد إختاريا بل إجباري، والحد من بعض الممارسات والأنشطة التي تساهم في انتشار الوباء، وما عدا ذلك فالتشريعات الدولية والوطنية تمنع المس أو النقص من الحقوق الأخرى، بل إن المنتظم الدولي سن مبادئ ودلائل استرشادية جديدة تتماشى والوضعية الاستثنائية الحالية.
أولا: منع التعذيب في زمن الطوارئ الصحية
إذا كانت أغلب الكتابات المغربية حول حماية حقوق الانسان في سياق مكافحة فيروس كوفيد 19، إن لم نقل كلها، ركزت على الضمانات الحقوقية الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المواد 4، 12، 18، 19، 22، كما جاء في مقال السيد وزير حقوق الإنسان في مقاله حول “الإجراءات الاحترازية ضد كورونا المستجد، بتاريخ 22 مارس 2020، ومقالات أخرى ذهبت في نفس المقاربة)، وهي مرجعية وإحالة مهمة، إلا أنه في نظري، الأهم في توصيف المرحلة بخصوص الطوارئ الصحية، وليس الطوارئ بشكل عام، وهو ما اقتضته المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (CESCR) وتعليقها العام رقم 14 الصادر سنة 200، إذ يمكن اعتبار هذا التعليق العام بمثابة “دستور” حالات الطوارئ الصحية والحجر الصحي.
فالمادة 12 من (CESCR)، تقر بضرورة أن “تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل،(ج) وقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، و(د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.”
وإذا كانت للدولة المسوؤلية في حماية الصحة العامة، إلا أن التعليق العام رقم 14 وضع حزمة من الإجراءات وجب التقيد بها، لكون أن تزايد”انتشار أمراض لم تكن معروفة سابقاً مثل فيروس نقص المناعة البشرية ومتلازمة نقص المناعة المكتسب، وغيرهما من الأمراض مثل السرطان، فضلاً عن النمو السريع في عدد سكان العالم، الأمر الذي أوجد عوائق جديدة أمام إعمال الحق في الصحة وهي عوائق ينبغي مراعاتهـا عنـد تفسير المادة 12″، وهي:
- يرتبط الحق في الصحة ارتباطاً وثيقاً بإعمال حقوق الإنسان الأخرى ويعتمد على ذلك، مثلما يرد في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، … الكرامة الإنسانية، والحياة، وعدم التمييز، والمساواة، وحظر التعذيب …. فهذه الحقوق والحريات وغيرها تتصدى لمكونات لا تتجزأ من الحق في الصحة. (ف3).
- الحق في الصحة يشمل حريات وحقوقاً على حد سواء، أما الحريات فتتضمن حق الإنسان في التحكم في صحته وجسده، بما في ذلك حريته الجنسية والإنجابية، والحق في أن يكون في مأمن من التدخل، مثل الحق في أن يكون في مأمن من التعذيب … (ف8).
ونظرا لضيق مساحة المقالة، يمكن للقارئ العودة للتعليق العام رقم 14، وخاصة المحور الثالث المعنون بالانتهاكات (الفقرات من 46 إلى 52)، للوقوف على أنماط الانتهاكات، انتهاكات الالتزام بالاحترام، انتهاكات الالتزام بالحماية، انتهاكات الالتزام بالأداء. (رقم الوثيقة E/C.12/2000/4).
ثانيا: الوقاية من التعذيب في زمن الطوارئ الصحية
أصدرت اللجنة الأوربية للوقاية من التعذيب CPT، التابعة لمجلس أوروبا بتاريخ 20 مارس 2020 (في عز انتشار جائحة كوفيد 19)، إعلان مبادئ بشأن “معاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم في سياق جائحة فيروس كورونا (COVID-19)” أوردت في النقطة العاشرة (10)، ما يلي: “ضرورة استمرار عمل الهيئات المستقلة في الرصد، ولاسيما الآليات الوقائية من التعذيب (MNP)، واللجنة الأوربية للوقاية من التعذيب (CPT)، لأنها تبقى ضمانة أساسية ضد التعذيب وسوء المعاملة. وينبغي أن تواصل الدول ضمان استمرار هذه الهيئات في الوصول والإشراف على جميع أماكن الاحتجاز، بما فيها الأماكن التي يحتجز فيها الأشخاص في الحجر الصحي “.
وفي المغرب ينص القانون رقم 76.15، على كون الآلية الوقائية من التعذيب (MNP)، من مهام المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بل إن المشرع المغربي أفرد لمنسق هذه الآلية امتيازات وضمانات استثنائية غير متوفرة لدى باقي منسقي الآليات الأخرى، ومنها المادة 17 التي تمنح المنسق والأعضاء حماية لازمة أثناء تأدية مهامهم، والمادة 21 التي تفرض على منسق الآلية الوقائية من التعذيب وباقي أعضائها العمل بدوام كامل طيلة مدة انتدابهم.
ومقتضى المادة 21 من القانون يعني ب”تفرغ” أعضاء الآلية للمهام الوقائية من التعذيب ولا يمكن الجمع بين مهامهم الجديدة ومهامهم أو وظائفهم السابقة، وهو المقتضى غير المفعل منذ تنصيب هذه الآلية في شتنبر 2019، حيث لازال منسق الآلية يمارس عمله السابق دون تفرغ.
وبالعودة إلى بلاغ المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الصادر بتاريخ 20 مارس 2020، اعتبر المجلس أن منسق الآلية الوقائية من التعذيب وباقي أعضائها، مثلهم مثل باقي منسقي أو أعضاء الآليات الأخرى والموظفين والأطر والأعوان حيث ورد فيه: ” يستمر بالعمل عن بعد، وبتكليفات بمهام غير مؤدى عنها للتنقل من إقامتهم إلى مقرات عملهم عند ضرورة المصلحة القصوى، السيدات والسادة التالية صفاتهم: رئيسة المجلس وأمينه العام ومنسقو الآليات الوطنية ورئيسات ورؤساء اللجان الجهوية …” في مقابل أن الإرشادات الدولية والممارسات الجيدة تدعو المكلفين برصد انتهاكات التعذيب أن يستمروا في عملهم، لكونهم يرصدون جريمة خطيرة، وهو نجده في منطوق وروح المادتين 17 و21 من القانون 76.15.
ختاما:
قد يقول البعض أننا في وقت حرب مع الوباء، وأن نؤجل موضوع حقوق الإنسان، إلا أن الرد بكل بساطة هو أنه حتى في حالات الحرب حيث يقتل البشر بعضه البعض، تسري مضامين القانون الدولي الإنساني، باتفاقيات جنيف الأربعة والبرتوكولات الملحقة، وهناك النظام الأساسي لروما المنشأ للمحكمة الجنائية الدولية، حيث قد تتحول بعض الممارسات أو الأفعال إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وأننا في مواجهة وباء في ظل السلم وليس الحرب، مما يجعل القانون الدولي لحقوق الإنسان قائما وأسمى.
وبالتالي، نحن أمام انتهاك حق صلب من حقوق الإنسان، وهو السلامة الجسدية، لمواطن تخشى عائلته اليوم:
- الالتفاف على جريمة التعذيب من خلال مبدأ “العلاقة السببية” بين أثار التعذيب على وجه الضحية وجسده واعتقاله، واعتبار أن الآثار لا يمكن الحسم فيها هل كانت سابقة على لحظة الاعتقال أم بعده؛
- عدم قدرة العائلة على طلب انجاز خبرة إضافية لتحديد وتدقيق مدة العجز؛
- وعدم تمكنها من الاستفادة من الطب الشرعي وانجاز شهادة طبية وفق معايير بروتوكول اسطنبول؛
- انفلات رجلي الأمن والذي حددت هوية أحدهما وهو (م. ح.) من العقاب.