عراقيل واجهت مدونة الأسرة: عقليات لم تتقبل، ودور سلبي للإعلام (أنس سعدون)
قال عضو نادي قضاة المغرب، أنس سعدون، إن عراقيل عدة واجهت مدونة الأسرة عند صدورها “أهمها العقليات التي لم تتقبل بسهولة المستجدات التي جاءت بها المدونة، وغياب دور الاعلام في التعريف بمقتضياتها.”
وأضاف سعدون خلال حوار له مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن الإعلام كان له “أحيانا” دور سلبي في نشر أفكار مغلوطة عنها، “بكونها مدونة صدرت للانتصار للنساء على حساب الرجال، وأن المرأة ان طلبت الطلاق ستأخذ نصف ممتلكات زوجها، وأنها مدونة حجمت دور الرجل.”
كما أشار المسؤول بنادي القضاة إلى “مشكل عدم مواكبة المدونة عند تنزيلها بالميزانيات الكفيلة لضمان تفعيلها، سواء من خلال الموارد البشرية أو اللوجستيك أو حتى اصدار بعض النصوص القانونية المرتبطة بها”، إذ إنه “رغم إحداث أقسام قضاء الأسرة لتكون فضاءات مستقلة عن المحاكم لتطبيق مقتضيات هذا النص، لم يتم دعمها بشكل كاف، على مستوى الموارد المالية والبشرية التي تعاني من عدم التفرغ، وهو ما ساهم في عدم نجاعة مؤسسة الصلح.”
ومن العراقيل الأخرى، يضيف ذات المتحدث، “عدم وضوح مرجعية نص المدونة، فرغم أنها من حيث المبدأ تكرس المساواة بين الجنسين في الحقوق والالتزامات إلى أن هذه المساواة تغيب في التطبيق ولا تظهر في العديد التفاصيل.”
كما اعتبر أن توقف تنفيذ عدة مشاريع سبق الإعلان عنها من طرف وزارة العدل، في إطار برنامج دعم أقسام قضاء الأسرة من أجل تطبيق المدونة، من بينها دراسة إنجاز نموذج مرجعي لاقتسام الممتلكات المكتسبة خلال فترة الزواج، والدليل المرجعي لتقدير النفقة، والعمل المنزلي، فرغم انجاز هذه الدراسات إلا أنها لم تأخذ مسارها التشريعي، من تلك العراقيل، التي أبقت على المشكل قائما أمام المحاكم.
الحاجة إلى تعديل بعد زهاء 16 على المدونة
في سياق آخر، وفيما يتعلق بتحيين مدونة الأسرة بعد زهاء 16 سنة من تطبيقيها، أشار سعدون إلى أنه “تبين (الآن) أنه ثمة حاجة ماسة الى تعديل عدة مقتضيات من مدونة الأسرة، حتى تصبح ملائمة للمستجدات المجتمعية، وللبيئة الدستورية الجديدة، وكذا للالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب.”
وأشار إلى أن “أهم مادة في نظري تحتاج التعديل هي المادة 400 منها، والتي تلزم بضرورة الرجوع الى الفقه المالكي في كل ما لم يرد فيه نص، لأنها جعلت الجهات المكلفة بتطبيق مدونة الأسرة، أمام نصين، الأول مكتوب وهو مدونة الأسرة المكونة من 399 مادة، ومادة وحيدة تحيل على عدد لا متناهي من النصوص مما يطرح عدة إشكالات على مستوى التطبيق والتأويل.”
وأضاف، إنه “إلى جانب الثغرات التي تكرس الاحتيال على القانون ولا سيما المادة 16، حيث كشف التطبيق العملي أنها وسيلة للتحايل على المقتضيات المقيدة لتعدد الزوجات وتزويج القاصرات، والحل في نظري هو فتح باب اثبات الزواج بجميع الوسائل لأنه في حالة تقييد اثبات الزواج بأجل أو شكل معين فإن الفئات المتضررة منه هي النساء والأطفال بحكم واقع الفقر والأمية والهشاشة، مع ضرورة استثناء حالات تزويج الطفلات والتعدد من مسطرة اثبات الزواج، حيث أرى انه لا ينبغي توثيق هذه الزيجات لأنها لم تحترم المساطر القانونية اللازمة، وفي حالة ترتب حمل أو انجاب أطفال فينبغي التنصيص على أن المحكمة المعروض عليها النزاع تلحقهم تلقائيا بنسب الأب وتأمر بتسجيلهم في الحالة المدنية، باعتبار المصلحة الفضلى لهم واعتبار هذه المقتضيات من النظام العام، التي تطبقها المحاكم دون أن يثيرها الأطفال، ويمكن اعتماد المادة 156 من مدونة الأسرة التي تسمح بإثبات نسب الأطفال في حالة الخطبة.”
كما اعتبر، من جهة أخرى، أن “مبدأ المساواة بين الجنسين الوارد في مدونة الأسرة لا يظهر بوضوح في تفاصيل المدونة التي ما تزال تقيم نوعا من التمييز بين النساء والرجال في طريقة ابرام الزواج وكذا في طريقة انهائه، يأخذ هذا التمييز بعدا واضحا في مساطر الطلاق والتطليق، فمثلا المشرع فتح مسطرة التطليق للغيبة لفائدة الزوجة، علما بأن الغيبة يمكن أن تكون سببا لرفع دعوى للتطليق من طرف الزوج نفسه، وكذلك الحال بالنسبة للمقتضيات المتعلقة بالرعاية المشتركة للزوجين لشؤون الأسرة، والتي تغيب مبدأ المساواة وهو ما يظهر في الولاية على الأبناء وفي النفقة على الأسرة وفي أمور أخرى، وخلاصة القول أن التمييز الوارد في مدونة الأسرة لا يمس النساء والأطفال فقط، بل يمس الرجال أيضا.”
دعوات توحيد المساطر القضائية بخصوص ثبوت النسب
من جانب آخر، وبخصوص ما يعتبره بعض المهتمين والحقوقيين من أن هناك سلطة تقديرية موسعة للقاضي في موضوع ثبوت النسب ويدعون إلى توحيد المساطر القضائية وضبط السلطة القضائية التقديرية للقاضي للحيلولة دون وجود احكام قضائية متباينة بخصوص نفس القضايا، عبر عضو نادي القضاة عن عدم مشاطرته لهذا الرأي.
وعلل موقفه: “مشكلة النسب في مدونة الأسرة لا تكمن في الاجتهاد القضائي، وإنما في نص المدونة بالأساس، والذي يكرس تمييزا بين الأطفال، المولودين داخل العلاقة الزوجية أو خارجها، كما أنه يقيم تمييزا بين النساء والرجال، على مستوى استعمال وسائل اثبات النسب، بحيث يجوز للرجل أن يلحق نسب أي طفل به، اعتمادا على اقراره المجرد فقط، دون أن يكون ملزما بإثبات شرعية العلاقة التي نتج عنها انجاب هذا الطفل، أما المرأة فلا يجوز لها اثبات نسب الطفل إلا اذا أثبتت شرعية العلاقة التي نتج عنها، بل وحتى اذا أثبتت الخبرة الجينية البنوة البيولوجية، ومرد هذا التمييز لا يعود الى الاجتهاد القضائي، وانما لنص مدونة الأسرة، الذي لا يعتبر الوسائل الحديثة كالخبرة الجينية سببا للحوق النسب، وانما مجرد وسيلة لإثبات النسب، يقيد تطبيقها بضرورة اثبات شرعية العلاقة.”
وأضاف، إنه “من مظاهر النقص في مدونة الأسرة أنها جعلت البنوة غير الشرعية ملغاة بالنسبة للأب لا ترتب أي أثر من آثار النسب، بما في ذلك حرمة المصاهرة، وهو ما يؤدي الى إمكانية اختلاط الانساب، ناهيك عن أن الأب البيولوجي يكون في حل من أي التزام اتجاه ابنه المولود خارج إطار الزواج، فلا يتحمل نفقته ولا تكاليف تربيته، وهو ما يسهم في تفاقم هذه الظاهرة، فالمشكل في النص وليس في العمل القضائي لأنه لا اجتهاد مع النص، أما مسؤولية توحيد الاجتهاد القضائي فتقع على محكمة النقض علما بأن محاولات بعض المحاكم الاجتهاد مع النص تصطدم بمراقبة محكمة النقض التي تبقى محكمة قانون، لذلك تبقى ضرورة التعديل التشريعي قائمة.”