عبد الوهاب الرامي يكتب: طوطم الأدب والثقافة في المغرب
إذا نجح أسامة في المغرب، فلا تستغرب...!
عبد الوهاب الرامي: باحث في الإعلام
الذين يستغربون اليوم كيف نجح أسامة مسلم في استقطاب مغاربة، وقبلهم مصريين، لعالمه الروائي، لم يكونوا يطرحون بجدية وإنصاف سؤال لماذا لم تستطع الأسماء الكبيرة (ولا الصغيرة بالمناسبة) المحلية أو غيرها فعل ذلك. طبعا الأمر قد نفهمه لأن بديلا كأسامة مسلم لم يكن موجودا من قبل.
في اعتباري أن الأدب والثقافة في العالم العربي تحديدا تم احتكارهما لعشرات السنوات من سدنة معابد، أكبرها في المغرب معبد الجامعة، حيث ظهر رعيل من الأسماء التي سطرت بمداد وهم جماعي أن القصة يجب أن تكون جماليا كذا، وأن عناصر الرواية التي لا مندوحة عنها كذا، وأن مكونات الشعر اللغوية والجمالية وعلاقته بالذات والعالم كذا. وأن كل ما يكتب في هذا الباب يجب أن يكون أدبا أو لا يكون، بل ربما على الأديب أن يكون كذلك قبل أن يقترف الأدب.
بمعنى أن الذين رفعوا الأدب من صلته العادية بالإنسان إلى مقام القدسية، هم من زرعوا رهاب الإبداع في من لا يؤمنون بالعنعنة الهرمية داخل الجامعة. لأن ذلك يخدم بصراحة مواقعهم كحراس “المعبد الكبير” الذي تم تقديم عجله المقدس في رحاب جامعة كليانية ظلت تنظّر من موقعها حتى للذين لم يلجوا أسوارها، بدعوى امتلاك المعرفة، وتسييج الحقل منعا له من الدخلاء، خاصة أن دفء الاعتراف المتبادل بالرموز التي خلقت لهذا الغرض، ومن أجل تكتل فئوي جامعي إقصائي، كان مغريا، ويمنح لوثة نرجسية يصبح خارجها كل شيء هامشيا، وغير ذي صلة وموضوع.
نحو خمسين سنة عاشت الجامعات المغربية على إيقاع الشيخ والمريد، إيقاع يضبطه الشيخ ببنديره الجهوري، وتتمايل على نقراته أجساد المريدين.
تلكم دكتاتورية الطوطم الإبداعي.
والعاقل يعي أن لفظ إبداع يعني الخروج عن المألوف.
وأسامة مسلم خرج عن المألوف. مرق عن فتاوى المعبد المقدس، فأحس بعض منهم أنه انهار عليه وقد كان يظن أن وضعه بمثابة “رافع الإبداع بلا عمد”.
تغيرت الأحوال. وهي سعادة غامرة أن نجد الشباب يتسابقون لاقتناء الرواية في عالم قال لنا حراس الكرامات، الذين ظلوا يورثون بركاتهم لأكثر المريدين حمدا، أن بعدهم الطوفان، وأن القراءة انتهت بعد شيخوختهم، وتواري بعضهم، وتورم مفاصل بعضهم الآخر إبداعيا.
مرة قالت لي شاعرة كاطالانية: أنا أكتب الشعر لا الأدب. استغربت حقا من ذلك. لكنني تيقنت من خلال ما تكتبه أن الإبداع متعدد. ولا وصاية لأحد عليه.
لنكسر الطوطم.