عبد المجيد فنيش يلغو: مدافع سلا، من سلطان باليما، إلى لصوص الزمن الكوروني…!
ذات زمن اشتهر في سلا والرباط، رجل خاص جدا في كل شيء، وكان لقبه هو *سلطان باليما*، نسبة إلى الفندق الذي يتوسط شارع محمد الخامس Hمام بناية مجلس النوابK حيث كان له في مقهاه موقع.
هذ الرجل الذي أذكر جيدا أنه أقام ذات فترة في زقاق مقفل في سانية بوعلو -في حاضرة سلا-، التي رأيت فيها النور، بعد أن رآه فيها كل من الوالد والجد وجد الجد، و…
وأذكر جيدا – وأنا على عتبة الفتوة- أنه كان حقا شخصية استثنائية، و على الأقل في إمكانياته الأسطورية على *بيع ما ليس في ملكه.*
أذكر أن الكبار الذين كنا نسترق منهم السمع، كانوا يتحدثون بإعجاب على مؤهلاته الخارقة في حبكة أروع وأجمل نسيج الاحتيال على خلق الله، كبر شأنهم أو صغر.
وأذكر القصة التي قيل إنه هو بطلها، حين احتال على سياح أوروبيين مهووسين بالتحف التاريخية، وتمكن من أن ينال منهم دراهم عديدة، لم يكونوا فيها من الزاهدين، بل كانوا أكثر سخاء من السخاء نفسه.
وقد كانت صفقة الاحتيال، هي أن أقنعهم بامتلاكه المدافع التاريخية التي كانت توجد في مدخل مبنى تاريخي شهير، وأنها تعود إلى أسرته التي وضعتها مؤقتا في ذاك المكان.
وتمت الصفقة، وكان ما كان، ولا تعنيني هنا مواطن الواقعية في الحدث، ولا مواطن الفنطتازيا، بقدر ما تعنيني جدا الدلالة الثابتة التي تفيد أن المدافع التي هزت وأزت أساطيل العالم عند مصب أبي رقراق، كانت ومازالت تمثل غنيمة يلهث وراءها خلق كثير، من مختلف البروفايلات والمواقع، وبمختلف الوسائل ولغايات مختلفة.
ولندع سلطان باليما الآن يستريح في مرقده- سامحه الله-، ولنقف لحظة عند البروفايلات الحالية للمتربصين بمدافع سلا، بعد أن استيقظت المدينة ذات صبح رمضاني في الزمن الكوروني، على خبر سرقة مدفع من مستودع للقطع الأثرية التي – من المفترض أن تكون في مأمن-، بدل أن تكون ملقاة في مكان لا تتوفر فيه أدنى شروط الوقاية من الأضرار المتربصة بالذاكرة المادية المنقولة.
لا تعنيني مطلقا خيوط ما حدث وكيف، -فالأمر له أجهزة مخولة للبحث والاستنتاج والقرار-، لكن الذي يهمني ويؤلمني، هو أن يردد البعض أن الجناة المفترضين قد استغلوا ظروف الحجر الصحي، فاقترفوا جرمهم .
حقيقة أن مثل هذا التبرير يثير القهقهات وليس الضحكات، وهو تبرير ينطبق عليه المثل: رب عذر أكبر من الزلة.
كلا يا سيدات ويا سادة، إن المعضلة تكمن في آليات وأدوات وظروف تخزين مثل هاته النوادر، حيث الوضع الحالي جلي بكل مظاهر البؤس، فلا حراسة بالكاميرات، ولا منبهات صوتية وصفارات إنذار، ولا…ولا…، بل ولا عسس ولا حرس، سوى كهول أعيتهم متاعب الأيام ونالت منهم الكثير، وما من عتاد في حوزتهم سوى عصي قد لا تصلح للهش على الغنم.
اليقين التام لدي، هو أن المصالح المختصة ستوقف سلاطين باليما الجدد، وسيعود المدفع الى حيث كان، لكن ما ليس باليقين لدي، هو أن تتم المبادرة العاجلة الفعالة من طرف الوزارة الوصية، لتمكين سلا من كل آليات حفظ مقوماتها التاريخية.
وإن مناسبة تأهيل وتثمين التراث المادي للمدينة العتيقة برعاية ملكية سامية كريمة، لهي افضل فرصة سانحة لمقاربة شاملة للتراث المادي المنقول، وفي مقدمة مظاهره، المدافع التي اهتدى الآن السراق إلى مستودعاتها غير الآمنة.
أيها الناس خذوا حذركم في زمن كورونا وفي غيره من الأزمنة، فالسراق لا يميزون بينها، وإنما يميزون بين ما يسهل الوصول إليه وما يعيقه.
ترى كيف لم يستفد ناس اليوم، من دروس خلفتها أيام سلطان باليما.؟!؟!
وفي الختام فإنه مجرد لغو، وكل تشابه له مع الواقع، فإنه لن يتجاوز حدود الصدفة.