عبد الكريم إبنوعتيق يكتب: هل يستطيع جون بايدن التعايش مع يسار الحزب الديمقراطي؟
وصول “جون بايدن” إلى الحكم لم يأتي صدفة، جاء نتيجة ديناميكية متعددة المحاور، انطلقت من مشروع ساهمت فيه مجموعة من القوى تنتمي للحزب الديمقراطي، لكنها تختلف في مقاربة الإشكالات المطروحة، العديد من المتتبعين للشأن الأمريكي يرون أن الرئيس الجديد مطالب بخلق نوع من التوازن بين البحث عن إيجاد شروط لطمأنة الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الكوني، من خلال إعادة الاعتبار للتعاون المتعدد الأطراف، ثم المساهمة الفعلية في مواجهة جائحة كرونا، مع الانخراط في تعاون جدي لإيجاد أجوبة للقضايا المتعلقة بالتغييرات المناخية، بالإضافة إلى إعطاء نفس لاقتصاديات العالم لما بعد الجائحة، و بين تدبير انتظارات قواعد الحزب الديمقراطي التي يرجع لها الفضل في الانتصارات الانتخابية التي تحققت سواء في سنة 2018 أو في الاستحقاقات الرئاسية الأخيرة، من هنا يطرح السؤال الجوهري، كيف سيتعايش الرئيس “بايدن” مع يسار حزبه، هذا الأخير حسب المختصين والمتتبعين بدأ يتقوى في السنوات الأخيرة، بخطاب يميل إلى مرجعيات اليسار الإشتركي.
- وجوه و منظمات تصطف على يسار الحزب الديمقراطي
وجوه عديدة محسوبة على التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي، من بينها “اليزابيت وارين” “Elizabeth warren” التي بدأت مشوارها بمساهمات أكاديمية ما بين سنة 1981 و 1985، أهمها الدراسة التي أنجزتها حول الأسباب التي تؤدي إلى الإفلاس المالي و التجاري، و التي اعتبرت آنذاك بمثابة مرجعية لفهم الصعوبات التي تعاني منها الطبقات الوسطى الأمريكية في مواجهة لوبي القروض المالية حسب تعبيرها، في سنة 2000 “وارين” أنجزت بحثا آخر، ركزت فيه إلى العوامل التي تؤدي إلى هشاشة هذه الفئات منها المرض و فقدان الشغل و ارتفاع نسبة الطلاق، من هنا اقتنعت بضرورة الربط بين الاجتهاد المعرفي لفهم هذه الظواهر الاجتماعية، و بين الانخراط في ديناميكية سياسية قادرة على إعادة التوازن للمجتمع الأمريكي. وجدت” وارين” الجواب في الانخراط في الحزب الديمقراطي، ترشحت لانتخابات 2012 وحصلت على مقعد في مجلس الشيوخ نائبة على “ماسا سوسيت”، طيلة حملتها الانتخابية كانت تردد خطابا وجد صدى في أوساط الحزب الديمقراطي، و كذلك لدى شرائح اجتماعية عانت من عولمة اقتصادية أدت إلى انهيار قطاعات صناعية و خدماتية عديدة، هذه الأخيرة لم تستطيع منافسة الانفتاح على اقتصاديات آسيا لاسيما الصين، لاحظت على أن متوسط مساهمة المستخدمين في التغطية الصحية تضاعف خلال 20 سنة الماضية ب 3.9% ليصل إلى 501 دولار للشهر، هذا الارتفاع حسب “وارين” يدفع بثلث المقاولات التي يقل مستخدميها على 200 فرد إلى عدم تقديم تغطية صحية لعمالها ، في حين أن كثير من الشركات الكبرى تعتمد على عقود شغل مؤقتة، أرقام صادمة روجتها في لقاءاتها الإعلامية و الحزبية، عندما أشارت إلى أن 28 مليون أمريكي لا يتوفرون على التغطية الصحية، و أن 44 مليون على تغطية لا تلبي إلا ثلثي من حاجيات التطبيب، مضيفة بأن 60% من الأمريكيين معدل ارتفاع أجورهم لم يتعدى 28% على امتداد 35 سنة، بالرغم من أن اقتصاديات أمريكا عرفت انتعاشا مستمرا خلال عشرة سنوات متتالية، “إليزابيت وارين” أكدت أن الحزب الديمقراطي مسؤول كذلك عن هذه الوضعية الاجتماعية للطبقات الوسطى الأمريكية، بالرغم أنه كان دائما مسنودا من طرف أقوى النقابات خلال كل الاستحقاقات الانتخابية، مستدلة بتجربة الرئيس “أوباما” و معه كاتب الدولة في الخزينة آنذاك “تيموتي كانتر”، عندما فضلوا ضخ ملايين من الدولارات لإنقاد البنوك، دون أدنى مبادرة اتجاه 9 مليون من الأسر الأمريكية التي فقدت مساكنها ما بين 2008 و 2015.
وجه آخر من اليسار المتواجد داخل الحزب الديمقراطي، “بيرني ساندرس” “Bernie Sanders” الذي إستطاع منافسة “هيلاري كلينتون” في الإنتخابات الداخلية سنة 2015 و 2016، بدأ مشواره السياسي 1981، حيث أنتخب ثلاث مرات عمدة على مدينة صغيرة لا يتعدى سكانها 42 ألف نسمة تسمى بيرلانتن “Burlington “، في سنة 1990 إستطاع الوصول إلى مجلس النواب الأمريكي وفي سنة 2006 أنتخب في مجلس الشيوخ، عرف بمرافعاته دفاعا عن العمال و الطبقات الوسطى، يعبر علانية عن إنتمائه لليسار الإشتراكي، مما يجر إنتقادات جمة على الحزب الديمقراطي من طرف الجمهوريون، الذين ينعتونه بحامل لأفكار كاسترو و تشافيز، إلا أن المؤرخون و المختصون في الحقل السياسي الأمريكي يرون في “بيرني ساندرس” امتداد لحركة يسارية عمالية أميركية هي “Le socialist Party Of America” التي من رموزها ” أوجين ديبس” “Eugene Debs “، الذي ترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية مرات متعددة، حصل في انتخابات 1920 على مليون صوت بالرغم من تواجده آنذاك رهن الإعتقال بتهمة تحريض الأمريكين ضد الخدمة العسكرية، إبان الحرب الباردة اختفت الاتجاهات اليسارية خوفا من ما كان يعرف بحملة “ما كارتي”، التي كانت تعتبر كل الأمريكي له قناعات يسارية هو عميل للمعسكر الشرقي، في مقابل ذلك ظلت بعض الوجوه الفكرية والثقافية تحمل على عاتقها مهمة الدفاع عن أفكار اليسار مثل “مكاييل هارنتون” “Michael Harrington ” من خلال منظمة ” Democratic Socialists Of Amirica “. الأزمة المالية لسنة 2007 شكلت منعطفا لبروز جيل جديد متشبع بالقناعات اليسارية ذات النفس الاجتماعي مثل “باسكار سنكرا” الذي أسس سنة 2010 مجلة “جاكوبان” والتي تحولت بسرعة إلى فضاء للنقاش بين الأمركيين، هذه الحركة الجنينية إنتقلت مع مرور الوقت إلى تنظيمات ميدانية برزت بشكل لافت خلال الإستحقاقات الداخلية للحزب الديمقراطي سنة 2016، مدعمة “بيرني ساندرس” هذا الأخير أقنعها بضرورة تقديم مرشحين للانتخابات على المستوى المحلي، مما حرر مجموعة من الفعاليات الفنية و الثقافية التي كانت تخفي انتمائها اليساري مثل “سانتيا نكسيون” “Cynthia Nixon” المشهورة بدورها في مسلسل سيكانت دو سيتي The City Sexand” والتي ترشحت للانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي لمنصب حاكم مدينة نيويورك، وحصلت على 34% من الأصوات منافسة بذلك أبرز المرشحين” أندريو كيامو”. حسب المتتبعين “بيرني ساندرس” ربح المعركة الأيدولوجية داخل الحزب الديمقراطي تحول في الاستحقاقات الأخيرة إلى طرف غير قابل للتجاوز، منافسا “إليزابيت وارين” التي أحدثت بدورها رجة إعلامية وسياسية بمقترحات أحرجت الاتجاهات التقليدية داخل الحزب الديمقراطي.
- ماهي مقترحات اليسار داخل الحزب الديمقراطي لإسترجاع ثقة الأمريكيين في العمل السياسي؟
أول الملفات التي ستشكل امتحانا صعبا للرئيس “جون بايدن”، هو إشكالية التغطية الصحية، فالديمقراطيون لاسيما الجناح المحسوب على اليسار، متشبثون بمشروع القانون المقدم إلى مجلس النواب الأمريكي منذ 2003 المسمى “ميدي كار فور أول” الذي يقترح إلغاء كل تأمينات التغطية الصحية الخاصة لصالح تغطية موحدة تدبر بشكل مباشر من طرف الحكومة الفيدرالية، معتبرين مشروع “أوباما” الذي وفر التغطية الصحية لأكثر من 20 مليون أمريكي غير كافي، الملف الثاني متعلق بمنظومة التعليم العمومي الأمريكي و التي لعبت فيه المدرسة العمومية دور المصعد الاجتماعي بالنسبة للطبقات المتوسطة، فحسب “ساندريس” و كذلك “وارين”، فإن النسق التعليمي العمومي الأمريكي يعاني من مشاكل عديدة تهم أساسا ضعف التعليم ما قبل الأولي، الذي يبدأ متأخرا مع نقص حاد في دور الحضانة ، مما يدفع العديد من أمهات إلى التضحية بعملهم و البقاء في المنازل للتكلف بأبنائهم ما دام أنهم لا يتوفرون على إمكانيات مالية للتوجه للتعليم ما قبل الأولي الخصوصي، زد على هذا أن التعليم العالي بشقيه العمومي و الخصوصي عرفا ارتفاعا كبيرا في رسوم التسجيل في العقد الأخير ، مما نتج عنه بروز مديونية تتقل كاهل الطلبة والتي وصلت إلى 1600 مليار دولار ، “وارين” تقترح إلغاء ثلتي الديون المتراكمة على الطلبة الأمريكيين، أي مليار دولا مع مجانية التسجيل في التعليم العمومي ثم خلق مدارس للتعليم ما قبل الأولي ابتداء من سن 3 سنوات، مع فرض ضريبة تقدر نسبتها ب 2% على كل من يتجاوز دخلهم 50 مليون دولار لتمويل هذه المشاريع.
هناك قضايا أخرى تنتظر “بايدن” تهم الهندسة الدستورية و القانونية المؤطرة للحقل السياسي بالولايات المتحدة الأمريكية، أول ما يتبادر إلى دهن المتتبعين للشأن المؤسساتي الأمريكي في هذا المجال هو الجمود الذي أصبح يتسم به الجسم التشريعي في واشنطن، نظرا للإنقسام الحاصل نتيجة تموقع الحزبين كلا مسيطر على إحدى الغرف التشريعية، هذا الوضع إنعكس سلبا على العمل التشريعي في السنوات الأخير، 3% فقط من مشاريع القوانين تتحول إلى قوانين قابلة للتطبيق، هو أقل ما كان عليه الوضع التشريعي خلال الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي، غياب التوافقات الكبرى بين الحزبين راجع إلى غياب توازنات كان من ورائها منتخبون من الحزبين ، متشبعون بثقافة الوسط و الاعتدال، زد على هذا المواجهات بين الحزبين التي أصبح يتحكم في تأطيرها الإعلام الذي يحرك الشارع الأمريكي خلال مناقشة القضايا الكبرى و الحساسة، مما ينعكس سلبا حسب المختصين على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، فمثلا عندما وافقت إدارة ” أوباما” في 14 يوليوز 2015 على الإتفاق النووي مع إيران ، هذا الأخير تمت محاربته قبل توقيعه، مما اضطر ساكن البيت الأبيض إلى عدم طرحه على موافقة مجلس الشيوخ مقتصرا على موافقة الجهاز التنفيذي مما سهل المأمورية على خلفه “ترامب” للتخلص من الاتفاق بقرار يلغي الإلتزامات الأمريكية السابقة، نفس الشيء بالنسبة لاتفاق باريس حول المناخ، بحيث اضطر “أوباما” و نظرا لغياب أغلبية في مجلس الشيوخ على الموافقة كجهاز تنفيذي دون أن يكون ملزما للولايات المتحدة الأمريكية، الملاحظة الرئيسية هنا هو أن رؤساء الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة أصبحوا يتجنبون طرح الاتفاقيات الكبرى للمصادقة التشريعية خوفا من رفضها مما ينعكس سلبا على موقع أمريكا كقوة عظمى، مقتصرين على التوقيع كجهة تنفيذية.
انطلاقا من كل ما ذكرناه سابقا هل سيتشبث الرئيس “بايدن” بمشروع القانون المقدم من طرف الأغلبية الديمقراطية بمجلس النواب في 3 نونبر 2018 و المسمى “For the people Act ” الذي يسعى إلى تبني بعض الإصلاحات التي تمس المنظومة القانونية في جوانبها الانتخابية ، مشروع هذا القانون لم يتعدى الغرفة الأولى مادام أن الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ترفضه رفضا مطلقا، من النقط التي يدافع عنها الحزب الديمقراطي، إشكالية التقطيع الانتخابي الحالي الذي يسمح حسب تعبيرهم بالتحكم في بعض الدوائر الانتخابية، مع تجنب المحكمة العليا الأمريكية النظر في بعض الملفات المعروضة عليها في هذا المجال خوفا من اتهامها بالتحيز السياسي لجهة على حساب جهة أخرى، مشروع القانون المقدم من طرف الديمقراطيين يقترح جعل التقطيع الانتخابي من اختصاص لجنة مستقلة تضم أعضاء ينتمون للحزبين و ليس في يد المنتخبين المحليين كما هو الحال اليوم في جزء كبير من الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى هذا هناك إشكالية كثلة الناخبين الكبار التي تعرف بدورها نقاشا ساخنا لاسيما و ان فشل “هيلاري كلينتون” و قبلها “ألبير أرنولد ألغور” في الانتخابات الرئاسية راجع بالأساس إلى عدم حصولهم على أغلبية أصوات الناخبين الكبار، بالرغم من فوزهم بغالبية أصوات الإقتراع الرئاسي المباشر، إشكالية تمويل الانتخابات تطرح هي الأخرى بحدة، هناك من يعبر نظام التمويل الحالي يمس باستقلالية العملية الانتخابية عن طريق الضغط الغير المباشر على المرشحين، لذلك فجزء من الحزب الديمقراطي يطالب بمراجعة قرار المحكمة العليا الصادر في 2010 الذي لا يضع في نظرهم مسافة ما بين استقلالية الحقل الانتخابي ماليا، و بين مصادر التمويل التي لا حد أدنى لها، “إليزابيت وارين” انتقدت بقوة قانون التمويل الانتخابي الذي يمنح مكانة قوية للوبيات الاقتصادية وغيرها مما يجعلها طرفا غير مباشر في العملية التمثيلية، لتجاوز ذلك “وارين” و”ساندريس” توجهوا في الاستحقاقات الأخيرة نحو الأفراد رافضين مساهمات الشركات و المقاولات.
- بين الأفروأمريكيين وقضايا الهجرة ملفات شائكة في الانتظار
معروف أن قواعد الحزب الديمقراطي تكونت تاريخيا من شريحتين أساسيتين، هم السود الأمريكيون ثم الفئات الشعبية التي ارتبطت بالحزب في الثلاثينات من القرن الماضي، لاسيما بعد نجاح الخطة الاقتصادية “نيو ديل” التي قادها الرئيس الديمقراطي “فرونكلين روزفيلت”، بعد ذلك توافدت على الحزب شرائح أخرى مدافعة عن الأقليات الإثنية أو مساندة لقيم جديدة في مقابل الاتجاهات المحافظة، حضور الأفرو أمريكيين ضمن يسار الحزب الديمقراطي برموز لها وزن مثل “كمالا هاريس” “Kamala Harris” التي إخطارها “بايدن” لتكون نائبة له، فبالرغم من أن أصولها ليست أفرو أمريكية ذلك أن والدتها من هند التامول و أبوها من جامايكا، و زوجها أمريكي يعتنق الديانة اليهودية، هي إذن حسب المتتبعين نموذجا يجسد العيش المشترك كما يطمح إليه غالبية الأمريكيين، ترعرعت في أحياء السود الأمريكيين و درست في جامعة هوارد ” Howard” بواشنطن، المعروفة بحضور كبير للطلبة الأمريكيين السود، كانت لها مواقف مساندة للمسلمين في أمريكا إبان الحرب على داعش تعتبر المهاجرين مساهمين أساسيين في تنمية الاقتصاد الأمريكي، طالبت في مرات متعددة بإصلاحات تمس العدالة الجنائية، حجتها في ذلك معطيات الواقع اليومي، فالعنف ضد السود في نظرها تعدى بعض الحالات المعزولة، أصبح شبه ظاهرة معتادة، بحيث ارتفعت حسب “هاريس” نسبة السجناء السود و معهم من هم من أصول إسبانية و التي تجاوزت 60% بالرغم أنهم لا يشكلون إلا 29% من ساكنة الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يخص الفوارق الاجتماعية و الاقتصادية، فشرائح الأفرو الأمريكيين في غالبيتهم لا يتوفرون على إمكانيات مالية، ففي سنة 2016 متوسط الثروة المالية عند الأمريكيين هو 171 ألف دولار ، عشرة مرات أكثر من معدل الثروة عند الأفرو أمريكيين و التي لا تتجاوز 17 ألف دولار، 62% منهم دخلهم أقل من 40 ألف دولار ، ما يدعم هذه المعطيات تقرير صادر عن مجموعة تفكير “Think Thank” التابع لمؤسسة “بروكينغ” “institution Brooking” والتي وقفت عند دراسة سكن الفئات الأمريكية السود، فبمجرد حيازة عقار في المناطق المعروفة بكثافة الأفرو أمريكيين ، يفقد هذا السكن 48 ألف دولار من قيمته الأصلية في السوق، لذلك و حسب الدراسة، فإن مبلغ 156 مليار دولار هو ما فقده الأمريكون السود عندما يقصدون السوق لإعادة بيع منازلهم . لمواجهة هذه الأوضاع يسار الحزب الديمقراطي يقترح على “بايدن” خلال ولايته المقبلة، مشروع مارشال لصالح الأفرو الأمريكيين، أطلقوا عليه برنامج دوكلاص “Douglass”، تذكيرا بالزعيم التاريخي “فريديرك دوكالاص” “Frederick Douglass” قائد انتفاضات محاربة العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن التاسع عشر، المشروع يتضمن إصلاحات تمس منظومة العدالة الجنائية، و منظومة الصحة ثم مجال التعليم، بالإضافة إلى خلق صندوق خاص لدعم المقاولين السود، بموازاة هذا المشروع، طرحت فكرة تعويض الأفرو أمريكيين التي لها جذور تاريخية تعود إلى سنة 1917 عندما رفع جزء ممن عانوا من مرحلة العبودية، دعوى قضائية قصد الحصول على تعويض من مداخيل القطن لكن بدون جدوى، و في سنة 1995 دوي الحقوق من هذه الفئة طالبوا بتعويضات أمام المحكمة العليا الأمريكية، هذه الأخيرة رفضت الدعوى مركزة في دفوعاتها على مبدأ الحصانة السيادية للدولة “L’immunité Souveraine de l’état”، في هذا الموضوع “بايدن ” سيكون أمام تنظيم قوي يعرف ب “National Coalition Of Blacks For Reparations In America” الذين فضلوا الاشتغال ما بين سنة 1989 و 2017 على الواجهة البرلمانية في محاولة لإستصدار قانون لخلق لجنة من مهامها البحث عن آليات توافقية لتعويض الأفرو أمريكيين ، تقود هذه الحملة ممثلة “تيكساس” في البرلمان الأمريكي “شيلا جاكسون لي” “Shella Jackason Lee” والتي أعادت طرح مشروع القانون المسمى H.R40 و المرفوض من طرف غالبية الأمريكيين بحيث أظهر استطلاع للرأي أنجزته شركة كالوب في يوليوز 2019 على أن 67% من الأمريكيين لا يحبدون فكرة التعويض.
ملف أخر محرج “لبايدن” هو 11 مليون من الأجانب في وضعية غير قانونية، ضغط حركة دراميس “Dreamers” والتي تحظى بعطف داخل الحزب الديمقراطي، بحيث يصل عدد منخرطيها إلى ألأكثر 600 ألف شخص، مهددون بالطرد في أي لحظة، ما دام أنهم استجابوا لنداء الرئيس السابق “أوباما” عندما طلب منهم التسجيل في برنامج D A C A دون تسوية وضعيتهم.
بقي أن نشير إلى أن حمى الانتخابات لم تنتهي بعد في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي 5 دجنبر الماضي انتقل الرئيس “ترامب” شخصيا إلى ولاية جورجيا قصد تقديم الدعم لمرشحين جمهوريين في انتخابات مجلس الشيوخ ، أهمية هذه المحطة تكمن في طبيعة المرشح الديمقراطي المعروف في أوساط الحزب بشخصيته الكاريزماتية ، إنه القص “رافييل وارنوك ” “Raphael Warnock” المدافع عن الحقوق المدنية للسود الأمريكيين ، بالإضافة إلى أن هذه الانتخابات التي ستجرى في 5 يناير المقبل هي حاسمة للحزبين، ففي حالة فوز الديمقراطيين بالمقعدين سيتحول مجلس الشيوخ إلى أغلبية لصالح الرئيس “بايدن” ما دام أن نائبته ” كمالا هاريس” لها الحق بقوة الدستور الأمريكي التصويت لصالح حزبها في حالة تساوي المقاعد بين الحزبين . رسالة قوية أخرى بعثها الرئيس المنتخب ” بايدن” للرأي العام الأمريكي حول خياراته الاستراتيجية الكبرى عندما قرر حسب وسائل إعلامية عديدة تعيين الجنرال “لوييد أستين” “Lloyd Austin” وزيرا للدفاع و هو بالمناسبة أول شخصية الأفرو أمريكية تحظى بمنصب قيادة أقوى جيوش العالم.
عضو مركز الدراسات الديبلوماسية والاستراتيجية بباريس