مدارات

عبد الصمد بنشريف يكتب عن الجزائر الجديدة، التاريخ المجيد، القوة الضاربة، إلخ.. إلخ…إلخ..

الجزائر الجديدة.. العهد الجديد.. التاريخ المجيد.. القوة الضاربة والعظمى. الدبلوماسية الهجومية والقادرة على خلخلة العلاقات وزعزعة الانظمة والتي حققت إنجازات غير مسبوقة منذ أن أصبح الرئيس عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية، عندما انتقلت من موقع المتفرج وردة الفعل، إلى القيام بالفعل، سواء داخل الاتحاد الافريقي أو الامم المتحدة أو الجامعة العربية أو في المنطقة المغاربية. أو في مجموعة دول عدم الانحياز، او في الفضاء الأوربي. وكون الرئيس تبون سن توجها جديدا في العلاقات مع الدول قائم على الندية والوقوف بجرأة وشجاعة وأنفة في وجه المتطاولين على الجزائر العظمى، فها هو يقصم ظهر رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز ويقرر تعليق العمل بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار مع مدريد. ويضع سانشيز في الزاوية ويتسبب في أزمة سياسية داخل إسبانيا حيث نجح السيستيم في الجزائر الجديدة-وهو واثق من نفسه في تأليب أحزاب يمينية ويمينية متطرفة ويسارية ضد سانشيز ووضعته في الزاوية. وتركته متخبطا مرتبكا يخبط خبط عشواء ويطلب النجدة.

عقاب….!

إنه عقاب شديد من طرف النظام الجزائري لرئيس الحكومة الإسباني الحالي لأنه تجرأ على دعم مخطط الحكم الذاتي المغربي كمخرج لنزاع الصحراء.

وهذا الموقف الذي يتنافى مع مبدأ تقرير المصير وتصفية الاستعمار. يعد خيانة وطعنا في قضية مبدئية لا يمكن للجزائر العظمى أن يهدأ لها بال أو تشعر بالاطمئنان إلا إذا رأت المغرب منكسرا منبوذا ومعزولا ومنهزما.

وفي تصعيده الحالي، أعلن السيستيم حالة استنفار في منظومته الإعلامية من منطلق ايمانه بمركزية الإعلام في معركة الجزائر وجوديا، وعسكريا وسياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا واعلاميا وثقافيا .ليلتحم هذا الإعلام  ويتقاطع مع تصور رات واختيارات النظام السياسي -العسكري  ومع استراتيجيته الجديدة القاضية بتعبئة ودعم وتجييش كل مكوناتة المنظومة الإعلامية المحلية لتقف بالمرصاد في وجه الحملات الإعلامية، والأخبار المضللة ،خاصة تلك القادمة من الدولة الغربية -المغرب- العدو الكلاسيكي والمركزي والتاريخي للسيستيم؛ والذي، للأسف، أقنع بهذه الأسطوانة الملغومة والمضللة ،فئات واسعة من المجتمع الجزائري، وأجيالا خضعت لعملية شحن وتلقيح إيديولوجية وبجرعات عالية على امتداد عقود.

استياء السيستيم من موقف إسبانيا حيال قضية الصحراء المغربية

الموقف/المنعطف الذي تبنته الحكومة الإسبانية حيال قضية الصحراء لم يعجب النظام الجزائري وقابله بكثير من الاستهجان والاستغراب، فقد رأى فيه صدمة ومفاجأة. وهذا ما جعله مباشرة بعد تداول الموقف في وسائل الإعلام يستدعي على الفور سفيره في مدريد، لإجراء مشاورات. وهوى ما تضمنه بيان لوزارة الخارجية الجزائرية التي قالت وقتئذ بالحرف: “تفاجأت السلطات الجزائرية بشدة من التصريحات الأخيرة للسلطات الإسبانية.” واستغرب الانقلاب المفاجئ لإسبانيا في ملف القضية الصحراوية” وفي إطار تطابق المواقف والمشاعر. نفس الاستغراب عبرت عنه جبهة البوليساريو التي انتابتها نوبة غضب عارمة.

ورأت في الخطوة الإسبانية انحرافا خطيرا يتعارض مع الشرعية الدولية. ودعت القوى السياسية والنقابية والجمعيات المدنية في إسبانيا إلى التصدي لقرار حكومة سانشيز قصد إلغائه.

سعي حثيث لنسف أي سيناريو مناصر لمقترح الحكم الذاتي

تأسيسا على ما سبق، نتساءل لماذا يهرول النظام الجزائري إلى نسف أي سيناريو أو موقف مناصر لمقترح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء؟ أليس استدعاء سفيره في مدريد، وتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار هو تعبير واضح وحجة قوية ودليل دامغ على أن الفاعل الرئيسي في نزاع الصحراء هي الجزائر. إنها مهندس التصعيد والتوتر ومعرقل كل الحلول. وهي صانعة جبهة البوليساريو التي رعتها ومولتها وسلحتها وجعلت منها أداة لمعاكسة المغرب والوقوف في وجه مطالبه والنيل من وحدته الترابية والتشويش على صورته ومكانته وسمعته؟

من هذا المنطلق يتعين على النظام الجزائري ألا ينافق ويلعب على حبال ازدواجية المواقف، وتسويق خطابات تمويهية لا تعكس الحقيقة، لتضليل الرأي العام الدولي. فكيف يمكن أن نصدق تشدق النظام الجزائري بكونه ليس طرفا في نزاع الصحراء، وكم يلزم الرأي العام الدولي من الغباء والسذاجة ليثق في الدبلوماسية الجزائرية التي لا شغل لها، سوى حشر ملف الصحراء في أي محفل أو مؤتمر أو منتدى. وتنصيب نفسها محاميا لجبهة البوليساريو بشكل يدعو فعلا إلى الاستغراب. والشفقة في نفس الوقت.

لقد اتضح بما لا يدعو للشك والريبة، أن النظام الجزائري هو من يتحمل المسؤولية في مآسي إخواننا ومواطنينا المحتجزين في تندوف. وهو من يتحمل المسؤولية في تفكيك وتفتيت الاتحاد المغاربي، والانخراط في سياسة المحاور لتكبيل المغرب وخنقه.. ويسعى بكل الطرق لفرض محور لصالحه. وهو ما يتجلى في اللقاء التشاوري الثلاثي الذي جمع أمس بين وزراء خارجية الجزائر وتونس وليبيا. وتوج باستقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لرمطان لعمامرة الذي مرر رسائل مسمومة ومفخخة في تصريحاته وهو يباهى ويفتخر بمتانة وقوة وتماسك العلاقات والروابط بين تونس والجزائر. وأن ما وصل إليه البلدان من تفاهم وتوافق وانسجام وتطابق في المواقف والتصورات ووجهات النظر.

نصرة “حق الشعوب في تقرير مصيرها” أو أقصى درجات النفاق

ربما ما يعتقده النظام الجزائري، موقفا مبدئيا فيما يتعلق بنصرة حق الشعوب في تقرير مصيرها، هو أقصى درجات الافتراء والنفاق. فهو يوظف هذا المبدأ في السياق الخطأ والزمن الخطأ والجغرافية الخطأ. ويستهلكه قصد التضليل وشحن فئات من المجتمع الجزائري مازالت ضحية خطاب الشرعية الثورية التي يتحصن بها السيستيم .

ويحرص على إعادة إنتاجها، عبر مؤسسات وقنوات وأدوات، ليبقى هو المحتكر والمتحكم الوحيد في التاريخ، والمنتج الرسمي للسردية المنذورة، لتسويغ وشرعنة عمليات تزوير الوقائع، وقلب الحقائق وتضبيع الأجيال الحالية، وإثقال كاهلها وحشو عقولها وقلوبها بجرعات وافية من الكراهية والعدوانية والضغينة والشك تجاه المغرب..

عود على بدء

بكل صدق، سبق لي أن قلت ذات مناسبة. بأنه لم أعد أجد أي مسوغ أو مبرر، لتبديد الوقت وهدر الطاقة في الكتابة عن سلوكات ومواقف وخطابات وأوهام نظام بلغ درجة متقدمة من الخبل والجنون والهلوسة والانفعال والعدوانية المجانية والاندفاع الأرعن لقصم ظهر المغرب الذي تحول إلى وسواس قهري بالنسبة للنظام الجزائري. وكسر عظامه وعرقلة نموه. وتأليب دول المنطقة ضده عبر تنشيط سياسة المحاور واستعمال الاغراءات المالية. وتسويق أضغاث أحلام تنمية سرابية في المناطق الحدودية مع تونس. وتقديم النظام الجزائري على أنه غول استراتجي ودينامو محور ي في أفريقيا والعالم. وقوة ضاربة لا تقهر، قادرة على اجتراح المعجزات الجيو-استراتجية والاقتصادية، وإرساء دعائم السلام والأمن في مالي والنيجر وليبيا، وأن حل الأزمة في هذا البلد، يوجد بيد الجزائر. وقادرة على حماية تونس من أي خطر إرهابي، أو ردة ديمقراطية. فقيس سعيد، يحق له الآن أن يتموقع كما يشاء، وأن يتخندق بكل ارتياح في صف تبون الرئيس المنتخب “ديمقراطيا “في جمهورية يحكمها نظام عسكري، يكرس وقتا مهما للحديث عن الانجازات الديمقراطية للجزائر الجديدة -القديمة. وحث الشعب على التلاحم والتماسك، بما في ذلك التوظيف الشعبوي والديماغوجي لكرة القدم. لأن أي انتصار، هو انتصار للمؤسسة العسكرية.

وإلا كيف يمكن أن نفسر نفسيا وسيميائيا وسياقيا، تلك الصورة التي أمسك فيها الفريق السعيد شتقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري بكأس العرب وهو يداعبها بسعادة لا نظير لها، وتصفيقات الرئيس تبون ووجوه أخرى تنهال عليه، عربون ولاء ووفاء واخلاص. أليس هو القائل “إن لقب كأس العرب هدية ثمينة للشعب الجزائري. وهو رد قوي وصريح، على أعداء الأمس واليوم، وعلى كل من يحاول التشكيك في وحدة هذا الشعب وغيرته الكبيرة على وطنه.

مالم يدركه النظام في الجزائر، هو أنه ليس هناك تاريخ مطلق خال من التعثرات والأخطاء والمطبات، وليس هناك أمة متعالية على التاريخ والمجال. ومفصولة عن مكوناتها الاجتماعية والثقافية ومقوماتها الاقتصادية. فالثقة المطلقة في الذات، وفيما تملكه من قدرات وإمكانيات، خدعة مطلقة.

وقد تكون هي أصل كل مآسي وتصدعات وشروخ هذه الذات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock