مدارات

عبد الصمد بنشريف يكتب: التفكير والعمل جماعيا لتطوير التجربة الديمقراطية المغربية ومواجهة مختلف التحديات

ليس هناك أي شك، في كون الظرفية الصعبة التي نعيشها بسبب جائحة فيروس كرونا المستجد، أثرت علينا جميعا على كافة المستويات… وغيرت كثيرا من المفاهيم وحتى القناعات، وأربكت العالم بأكمله، حيث وضعته في مواجهة أزمة خطيرة غير مسبوقة في التاريخ. وكل دولة تعمل وتجتهد منذ حوالي سنتين لاحتواء تداعيات الأزمة بأقل التكاليف والخسائر، وهي تعلم علم اليقين أن حالة التعافي النهائي اجتماعيا واقتصاديا لا أحد يتكهن بمداها الزمني. والمغرب كدولة لا يشذ عن هذه القاعدة، فوصوله إلى بر الأمان يعني أن يعد الخطوات بالميزان، وأن يحافظ على زخم وفورة وتدفق المشاعر الوطنية وعلى قيم التضامن، لأن هذه المشاعر سلاح مهم وفعال في زمن الأزمات والجائحات. وعندما قررت الدولة، بتعليمات ملكية أن تضحي بالاقتصاد من أجل حماية المواطنين من فيروس قاتل، وضمان حقهم في الحياة، فإن هذا القرار الذي أثار اهتمام وإعجاب العالم وتمت الإشادة به على نطاق واسع، حتى في البرلمانات العريقة، كما حدث في الجمعية الوطنية الفرنسية، عندما طالب جون لوك ميلانشو زعيم حزب فرنسا الأبية، الحكومة الفرنسية بالاقتداء بتجربة المغرب، أقول إن هذا القرار لا يجب أن يذهب سدى. بل يجب أن يكون له ما بعده.

الحرب الحقيقية

لذلك ليس من حقنا أن نخطئ في قراءة المرحلة. وليس من حقنا أن نرتكب أخطاء بمقدورنا بقليل من التبصر والتعقل والحكمة تجنبها، وليس من حقنا أن نرسب في امتحان الوطنية والمواطنة والوحدة والتلاحم والتضامن والتماسك ومعركة البناء الديمقراطي، بسبب الانشغال بسجالات مجانية ومعارك جانبية غير مبررة. أقلها ضررا تكريس منطق الاصطفافات الإيديولوجية والسياسية، وتغذية ثقافة الإقصاء، وفتح جبهات حروب جانبية، تستعمل فيها خطابات وأسلحة غير فعالة. علما أن الحرب الحقيقية يجب أن تخاض ضد تداعيات وباء كرونا على اقتصادنا ومجتمعنا. والحرب الحقيقية هي التفكير والعمل جماعيا لتطوير التجربة الديمقراطية المغربية، بما يعزز ويرسخ دولة الرعاية والعدالة الاجتماعية ومفهوم السيادة الاقتصادية والعلمية والتعليمية والتربوية والطبية والثقافية والإعلامية.

أعتقد أن الدروس والعبر التي  سنستخلصها من أزمة كرونا ، والمغرب بشهادة دول كبرى قطع أشواطا مهمة في عملية التلقيح، ستشكل بدون أدنى شك قوة دفع وتحفيز  أساسية، لإعادة النظر في الأولويات والاستراتجيات، وفي طرق إعداد السياسات العمومية وآليات صناعة القرار وتدبير الأزمات .ويعتبر هذا الشق المرتبط ببلورة مشروع وطني تاريخي يشارك في بنائه كل المواطنات والمواطنين ،جزءا لا يتجزأ  من العمل التأسيسي الذي دشنته الحركة الوطنية والديمقراطية ،بتنسيق وتوافق مع المؤسسة الملكية، واستمرارا لمختلف التضحيات التي بذلت قبل وبعد استقلال المغرب، والتي سقطت فيها قوافل من الشهداء، وعرفت اعتقالات واختطافات واختفاءات قسرية ونفي .

تناقضات الفرقاء

فرغم التناقضات الحادة التي كانت مستعرة بين مختلف الفرقاء، بشأن طبيعة المشروع الاجتماعي والاقتصادي ونمط الحكم.

ورغم الصراعات السياسة والإيديولوجية الضارية، ومظاهر العنف، فقد اقتنع الجميع في نهاية المطاف، أن الوطن لا يحتمل مزيدا من الظغط، ولا يقبل أن يظل سجين المنطقة الرمادية. وهذا ما تجسد بصورة قوية وجلية، عبر تعيين الو طني ورجل الإجماع الوطني الراحل عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول من طرف الملك الراحل الحسن الثاني.

هذا الانزياح التاريخي والمفصلي في مسار البناء الديمقراطي والتطور السياسي ببلادنا، يجب أن يظل هو القاعدة. لأنه يختزل القيم الكبرى والأخلاق السامية التي تحكمت في صياغة مواقف الكبار. فقد انتصر التسامح والصفح والتوافق والتفاهم، فكان معارض الماضي الشرس بصرف النظر عما يمكن أن يقال بخصوص سيرته السياسية ومواقفه كرجل دولة، صادقا في أداء الرسالة التي كلف بها، ومخلصا في ترجمة الشعارات والأفكار التي آمن بها إلى حقيقة ملموسة، رغم المقاومات والاكراهات. وكان نموذجا للعفة والأخلاق ونبل السياسة.

مرجعية نحتكم لها

هذا النهج الجامع المانع والنموذجي، بأبعاده المتداخلة والمختلفة، يمكن أن يصلح كمرجعية نحتكم إليها في تدبير خلافاتنا وصياغة مواقفنا والترافع عن هذا المشروع أو ذاك. بعيدا عن الطهرانية المفرطة والإطلاقية والدوغمائيات المتطرفة والسلوكات الراديكالية والرؤى المنغلقة. خاصة وأن السياق الوطني ومقتضيات تعزيز الجبهة الداخلية، ومتطلبات تمتين الوحدة الوطنية، عوامل تفرض على الجميع وخاصة الفاعلين السياسيين ومن يتحمل أو سيتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام، الأخذ بعين الاعتبارى وفق رؤية جدلية ومنظور براغماتي التحديات التي تواجهها بلادنا داخليا وخارجيا. خاصة المخططات التدميرية والمؤامرات التي تنسج بالقرب من وطننا، لإجهاض وإفشال الأوراش التي فتحها، والسعي بكل الطرق لتوجيه ضربات ماحقة لاقتصادنا وقطع الطريق على الاختراقات الدبلوماسية التي حققها المغرب، خدمة للقضية الوطنية الأولى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock