صناعة المحتوى ودوره في ترويض الرأي العام
بداية، وفي ظل الزخم الكبير لعالم الرقمنة والتطور التكنولوجي، لا بد من الحديث عن موضوع صناعة المحتوى والدور الذي يلعبه في عملية ترويض الرأي وتمظهراته، فهو علم لا يستهان به، سواء في شقيه الإيجابي أو السلبي.
فصناعة المحتوى تعتبر عملية إنتاج لأفكار عن موضوعات جمة تناسب جمهور معين، ثم بلورة و عرض تلك الأفكار في شكل محتوى مكتوب أو مرئي، والذي يستطيع أن يحصل عليه هذا الجمهور عن طريق صفحة عبر الويب أو فيديو أو انفوجرافيك رسومات أو تصاميم تتضمن معلومات أو إحصائيات في موضوع محدد بشكل يجعل هذه المعلومات سهلة الفهم لدى القارئ، وغيرها من الصور فمثلا عندما تطالع مقالا سواء كان علميا أو أدبيا أو قانونيا… فأنت تستهلك محتوى وعندما تستمتع بالفرجة عبر فيديوهات على اليوتوب فأنت تستهلك محتوى رقميا كذلك، إضافة إلى أنك من المتتبعين لمسابقات من سيربح جوائز أو أموال فهذا كذلك محتوى بصناعة دقيقة و تجد نفسك تستهلكه طبعا، ففي هذا العالم هناك من يقومون بأكبر عملية ترويض للراي العام بخطط محبوكة، هي أمثلة عديدة يغوص فيها المستهلك بدون شعور، فيها الإيجابي و السلبي كما تم ذكره في بداية المقال.
فالأكيد، إن المحتوى الذي تكون صناعته بحرفية عالية يكون دائما مؤثرا على المتلقي والرأي العام، لكن في المقابل وهذا أمر وشرط لا بد منه، لتفادي السقوط في الترويج السلبي لأي محتوى كيفما كان، فما علينا إلا أن نتعلم كيف نتعلم، من خلال فكر نقدي يطرح دائما فرضية الشك وكذا التحليل العلمي والواقعية في التفكير والتريث في اتخاذ القرارات؛ بحيث إن الرسالة لا بد لها أن تصل الى الآخر على أنه مختلف عن أفكار النظم التى تحكمه من خلال ما يصور أو يذاع من محتوى وأن يكون متلقيا حذقا.
هذا أولا مع خلق استعداد للآخر المتلقي فيه وعي ورفض لهذا المضمون حتى يتأكد منه على أنه يخدم القيم ونهضة وبناء المجتمع سواء بالبحث أو التنقيب، فهنا لا بد من الحديث عن منظومة تعليمية ذات جودة وقيم تساهم في هذا التغيير مع وعي مرافق للجميع دون نفيه.
أعتقد، ومن خلال الدينامية المجتمعية التي خلقت داخل مواقع التواصل الاجتماعي وبروز بعض صناع المحتوى، حيث ألقت بظلالها بشكل كبير وأنتجت فسيفساء فيها الصالح والطالح، ما أدى إلى ترويض غير سوي في مجمله في نسق الرأي العام و هذا ملاحظ بشكل جلي.
هذا دون أن نغفل ما استجد خلال الأيام القليلة الماضية مع تصاعد مؤشر أسهم صناعة المحتوى وخاصة في زمن الحجر الصحي، حيث صعد بشكل ملفت ظهور صناع محتوى يحاربون التفاهة عبر منصات رقمية متميزة، وهذا جدير بالذكر، لكن يبقى الرهان كبيرا على ما تبقى من المستقبل.
وعلى نحو عام، فإن الترويض يبقى عملية تستهدف أحيانا نظام الملل والتكرار والرتابة من خلال العمل على تغييره أو إدخال تعديلات عليه من شأنها أن تجدده فلا يبقى رتيبا متكررا مملا. لكن مع ظهور مسودة لاحت في الأفق و ما جاء به مشروع قانون 22.20 المتعلق بتنظيم استعمالات مواقع التواصل الإجتماعي وشبكات البث المفتوح للتحكم في السوشييل ميديا وضبط محتوى السوق الإعلامية في أفق ضبط أسواق أخرى، عبر طرق وقوانين زجرية تفسره مسألة واحدة وهي الصيغة الضبطية والتحكم في كل محتوى والتفنن في عملية الترويض للرأي العام، والملاحظ أن النقاش العمومي المطروح و بشدة حاليا بالفضاء العمومي التواصلي بمواقع التواصل الذي يطرحه الفرد التواصلي إن صحت العبارة، يفسر هذا القول إذ مقابل هذا يجب أن نحتفظ لهذا الفرد و الشعب بقليل من الحرية في إطار ديمقراطية تشاركية حقة وعدم السقوط في تكميم وسلب حرية التعبير والرأي، إذ يكفينا تكميم الكمامات التي نضعها لمحاربة وباء جائحة الفيروس التاجي كورونا.