كرونيك

شكرا سامي كلارك… شكرا جبران…!

لم أعرف من هو سامي كلاركا، أو سامي حبيقة إلا حين غزا الأنترنيت العالم ووقعت صدفة على تسجيل لهذا الفنان وهو يؤدي جينيريك مسلسل كرتوني قديم لن ينساه كل من هم الآن في عمري.

هذا هو صاحب الصوت إذن: سامي كلارك.

وأنا يافع، تعرفت على شخص آخر من نفس الوطن الصغير بمساحته، الكبير أبدا بأبنائه وبناته: لبنان.

قرأت أول مرة كتاب دمعة وابتسامة لجبران خليل جبران، أذهلني الاسلوب والحكمة والعمق والتعابير، وكل حرف خطه الكاتب.

بعدها، لم أعد افارق كتابات جبران طيلة رحلة العمر.

قرأت النبي والعواصف والأجنحة المتكسرة وغيرها وأنا أجرب السعادة بحذر.

قرأتها أيضا وأنا حزين.

عند جبران، تختفي المعاني بين سطور بسيطة مثل قريته فوق الجبل، ومثل آلامه وروحه المحبة للإنسانية بلا حدود.

سامي وجبران صنعا طفولتي، رغم اختلاف بصمة الصانعان أثرا وعمقا وزمنا.

أتذكر عودتي من المدرسة إلى منزل العائلة وأنا جائع ومتلهف لحصة الرسوم المتحركة أبحث داخل المنزل عن خبز للأكل، بينما أحجز مكانا أمام التلفزيون، في انتظار قدوم غريندايزر.

غريندايدر البطل الخارق.

امي كلارك، حبيقة، يغني بصوت مجلجل للبطل، يدعوه للطيران، ومحاربة الأشرار وتحقيق العدل فوق الأرض. نداء كلارك كان صادقا وقويا مثل نبوءة قديمة.

فجأة انتهى زمن الرسوم المتحركة وكبرت دون سابق إنذار.

أصبحت أفكر في مشاريع الحياة والناس والأبناء والسياسة والحكومة وسعر الرغيف وباقي المشاغل الأخرى وقد نسيت غرندايزر وأغنية سامي وتفاصيل البطولات والمعارك ضد الشر، أو ظننت أنني قد فعلت.

في الطفولة إيمان غريب لا يضاهيه أي شعور مثيل.

لم أشك للحظة قط أن دايسكي وهيكارو ودامبي وماريا حقيقيون وأن العالم تحت حمايتهم الدائمة.

في الواقع، لا أحد يهتم بالعالم. العالم الحقيقي أدغال شرسة تحكمها المصالح، ويسيرها البحث عن الربح والمال.

الأفلام الكرتونية نفسها سلعة غزت الدول العربية في سبعينيات القرن الماضي، وجنت من وراءها اليابان ربحا محترما.

كانت يوتوبيا جميلة أسدل القدر الستار على أحداثها.

في فصلها الأخير، يرحل سامي كلارك حبيقة إلى الضفة الأخرى، ويترك وراءه أداءه الأوبرالي الرائع، ويترك حنين الطفولة الذي لا تفسير له، حين يسمع كل من كان طفلا في السبعينات موسيقى هذا الفنان. كتب الكبير جبران خليل جبران: حينما تتوق إلى نعمة لا تعرف لها اسما، وحينما تحزن دون أن تدري لذلك سببا، فأنت في الحق تنمو مع كل ما ينمو وترتفع إلى ذاتك الكبرى.

شكرا سامي كلارك.

شكرا جبران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock