شعيب حليفي: الكتابة مغامرة ومقاومة للمنسي من تاريخنا
"صالح بن طريف، شخصية مغربية تمتلك من الغنى والرمزية ما يجعلنا نرى فيها صورا لكل الرجالات الذين مروا في تاريخ المغرب، والكتابة إليها، شكل من أشكال المقاومة لانمحاء الهوية الذي بات يستفحل في مجتمعنا اليوم".
متابعة: عبد الرحمان الزّْنَادِي
في إطار برنامج قراءات في تاريخ المغرب، وبحضور وازن من أساتذة وطلبة ومهتمين؛ عقد نادي القلم بالدار البيضاء لقاء تقديميا للمؤلف الجديد للروائي والأكاديمي شعيب حليفي “سبع رسائل إلى صالح بن طريف”، وذلك، يوم السبت 24 دجنبر 2022، بعد الزوال بالمركب الثقافي كمال الزبدي بسيدي عثمان، نسقت أشغاله ذة/ بديعة أحماش وشارك فيه ذ/ أحمد الصديقي و ذ/ طارق الهامل، وبحضور المؤلف.
وبعد كلمة منسقة اللقاء وكلمة ذة / أسماء الرفاعي مديرة المركب، سعت المداخلة الأولى للأستاذ أحمد الصديقي( أستاذ التاريخ الوسيط بجامعة الحسن الثاني) إلى مقاربة مضمون الكتاب، من زاوية اشتغال المؤرخ، لاسيما ما ارتبط بإشكالية مصادر الفترة التاريخية لحكم برغواطة، وما يحيطها من غموض واضطراب في الأخبار، وما تطرحه من ألغاز وقضايا شائكة. وأشار الصديقي، انطلاقا منه، إلى حاجتنا الماسة إلى ما وصلنا من مصادر، رغم كونها لا تخلوا من المؤثرات سياسية كانت أم مذهبية أو قبلية، وهذا ما يُلزمنا، بحسب الباحث، بضرورة الوعي بطبيعة المرحلة التاريخية، إذ كان المغرب خلال تلك الفترة موزعا سياسيا على مجموعة من الإمارات، المرتبطة بنوازع مذهبية شتى، كالشيعية والخارجية والسنية. وانتقل الصديقي، بعدها، إلى رصد باقي الإشكاليات والمفارقات التاريخية التي تثيرها المصادر والوثائق التاريخية حول بورغواطة، وذلك، في علاقتها بالكتاب المدروس، وربطها باختيارات ومواقف المؤلف منها، مع التركيز على شخصية صالح بن طريف، الذي وصفته بكونه عَالِمًا. وانتهى الصديقي إلى شكل خطاب الرسائل في “سبع رسائل لصالح بن طريف”، مؤكدا أن الرسائل تتضمن في طياتها جوابا. واختتم الباحث مداخلته، بالحديث عن ثورة المغاربة على الحكم الأموي وقطع الصلة به، وامتلاكهم من الوعي ما جعلهم يفصلون بين الدين والسياسة، ذلك ما يسعى الكتاب في أطروحته إلى الكشف عنه بخصوص فترة برغواطة.
أما مداخلة ذ/ طارق الهامل( باحث في الدكتوراه ، التاريخ المعاصر بجامعة الحسن الثاني )، فقد قامت على الاهتمام بالجانب التاريخي للكتاب، من خلال تقديم مختصر للكتاب والمؤلف، مرورا إلى إبراز منهجية المؤلف في عرض قضايا الكتاب. لينتقل، بعد ذلك، إلى الخوض في مضامين الكتاب، مبتدءا من افتتاحية الكتاب الموسومة ب”الاعتذار”، اعتذار عن طول الغياب عن صالح بن طريف وتعبيرا عن الشوق إليه، التي تعكس، بحسب الباحث، أن المؤلف كان دوما في اتصال مع صالح بن طريف، كما يتضمن تصريحا للمؤلف بكونه ليس مؤرخا بل “كائن باع نفسه للخيال”، حتى لا تلتبس على القارئ بعض الإشارات التي سيصادفها في متن الكتاب. واستمر الهامل، في التدرج نحو عمق الكتاب، إذ قام بمناقشة أهم القضايا التي تطرحها الرسائل، خصوصا ما يتعلق بالمذهب البورغواطي، الذي حفه الكثير من الغموض والتشويه، داحضا الاعتبار القائل بخروج برغواطة عن ملة الإسلام، لينتهي الهامل إلى إعادة صياغة بعض الأسئلة المرتبطة ببورغواطة في ضوء ما جاء في الكتاب، ومنها ما يتعلق بطريف بن مالك (والد صالح بن طريف)، الذي شارك في فتح الأندلس وإدخال دين الإسلام إليها، حيث وثَّق التاريخ مشاركته بتغيير اسم جزيرة بالوما إلى جزيرة طريف أو طريفة وذلك سنة 710م. وختم الهامل مداخلته بتركيب عام، معبرا فيه عن أهمية الكتاب، وما يكشفه من اهتمام بتاريخ المغرب المنسي وهويته.
وفي كلمته، أكد شعيب حليفي، على أن كتابه “سبع رسائل إلى صالح بن طريف” هو أكثر الكتب التي استدعت منه بحثا موسعا وحذَرا كبيرا، وأخذت منه وقتا كثيرا، وهو ما تعكسه افتتاحية الكتاب، والنصوص المستقاة التي تشكل السند التاريخي للكتاب، فالكتابة، بحسبه، هي مغامرة، والتاريخ هو علم عزيز، شأنه في ذلك، شأن الكتابة في حد ذاتها، وشأن الخيال الذي نكتبه، الذي يمنحنا طاقة مقاومة المنسي في تاريخنا عبر توسل الذاكرة. مشيرا إلى صالح بن طريف، الذي يعتبره شخصية مغربية تمتلك من الغنى والرمزية ما يجعلنا نرى فيها صور كل الرجالات الذين مروا في تاريخ المغرب، كما تتجسد فيها عراقة المغرب، لتنعكس، من خلالها، أصالة هويته قبل أي تأثير خارجي. ومن هنا، تغدو الكتابة إليها، شكلا من أشكال المقاومة لانمحاء الهوية، الذي بات يستفحل في مجتمعنا اليوم.