مدارات

سعيد هادف يكتب عن الوجدان المغاربي وفلسطين: لا نعرف، متى نعرف سر اللعبة..؟

ارتبطْتُ بفلسطين منذ طفولتي ككل أطفال الجزائر المستقلة، وارتبطت طفولتي باستقلال الجزائر كما ارتبطت بفلسطين، فكلا الحدثين كان موضوع نقاش الإنسان الجزائري من البيت إلى قصر الرئاسة. عام 1974، كان عمري 14 عاما، كنت أهوى الرسم، وذات مساء في صالة المداولة بمتوسطة عزة عبد القادرة (سيدي بلعباس)، فتحت كناشي ثم شرعت في رسم فدائي فلسطيني ثم كتبت شعرا، وهي أولى محاولاتي في الشعر. عام 1974 محطة أساسية في تاريخ النضال الفلسطيني.

عام 1975 قامت السلطة الجزائرية بطرد آلاف الجزائريين من أصل مغربي، لم أرسمهم ولم أكتب عنهم شعرا.

بعد عقود تساءلت: لماذا تأثرت بما حدث للفلسطينيين ولم أتأثر بما حدث لآلاف الأبرياء الذين تم طردهم على حين غرة وأغلبهم أطفال؟

الجواب هو أن مواقفنا ومشاعرنا وردود فعلنا تكون بفعل الخطاب الإعلامي، وكلما كان الخطاب الإعلامي غوغائيا وعصابيا وجاهلا وسمسارا ومضللا كان المتلقي ضحية وفريسة يسهل التلاعب بها.

لقد تم التلاعب بالفلسطينيين وبالشعوب العربية منذ البداية، وما يدعو إلى الحيرة هو هذا التعاطي المغاربي الغريب مع أحداث القدس.

وأنا أتابع الحدث على قناة الجزيرة تساءلت: كيف سمحت سلطات إسرائيل (عفوا الكيان الصهيوني) كيف سمحت للإعلام بنقل الحدث؟

هناك جوابان لا ثالث لهما وعلى مناهضي التطبيع أن يختاروا واحدا: إما أن إسرائيل دولة ديمقراطية لا تخيفها الشفافية؛ وإما أنها تعرف كيف تستغل جهل الجهة الفلسطينية التي تختلق مثل هذه المناسبات لكي تستعرض بطولتها الزائفة؟ فيساعدها نتانياهو على ترويج تلك البطولة ….

لا علينا

في الأسابيع السابقة، واحتفالا باليوم العالمي للشعر، كنت تقاسمت معكن/كم نصين من ديوان صدر منذ 10 أعوام تحت عنوان: أحجياتُ زمنٍ قيد الطبع (فاس 2011). والديوان صغير الحجم حوالي 30 صفحة ويضم ثلاثة نصوص، وهو بمثابة اختزال شعري لخلاصة فهمي للتاريخ ورؤيتي الاستشرافية للمستقبل. أقترح عليكم النص الثالث والأخير.

ــــــــــــــــــــــــــ

سر اللعبة

ــــ

ــــــــــــــــــ إلى مظفر النواب وضّده

في العام الثامن والرّبْعين،

سقطت أرض فلسطين،

وتشتت أبناء فلسطين،

ولم يخجل سادتنا من وصف هزيمتهم بالنكْبه؛

والشعب العربي خدعته النخبه؛

وجاءت عاصفة السادس والخمسين،

لتكشف جزءا من سر النكبة،

ولم نفهم سر اللعبه؛

وفي العام السابع والستين

زمن الاستقلال العربي المسكين

هبّ الفرسان لإكمال الاستقلال العربي،

بتحرير فلسطين…

وعاد الفرسان بخُفّيْن:

الخفُّ الأول لحُنيْن

والثاني…. أيضا لحُنين؛

و النكْبة أنجبت النكْسه…

زمن الروعة في الخسه؛

ولم نفهم سر اللعبة،

حتى العام الثالث والسبعين…

اختلط الحابل بالنابل و النكسة بالنكبة…

تناسى الفرسان فلسطين، وانهمكوا في التخوين؛

الكل يقول: أنا الفارس وحدي،

لن أتنازل عن شبر بفلسطين،

ولم نفهم سر اللعبة…

حتى العام الثامن والسبعين انتصبت خيمة داوود؛

وانفرط العقد العربي من حول فلسطين،

والتف على عنق الأطفال،

وآمال البسطاء،

ومن خيمة داود،

خرجت أزمنة سود:

حروب ومناف…

أعراق تتشابك…

مكائد ودسائس…

نذالات وحقارات…

وتوالت أعوام الخزي:

عام الثاني وثمانين

وعام التسعين

وما بعد التسعين

……….

وودّعْنا القرن العشرين

ودّعنا هزائمنا بهزائمنا تحت أناشيد النصر

فكيف يكون الليل الدامس فجر..؟

من ينسى دير ياسين

من ينسى صبرا وشتيلا

من ينسى مذبحة جنين

من ينسى غزة تحت القصف

من ينسى قتال الإخوة

من…؟

من يصنع هذي اللعبة…؟

أرْحامٌ تنجب كي تَسقطَ أرواحٌ عمدا أو سهوا…

دول تسقطُ ، أخرى تنتظر الدور…

دخل الشرق القرن الواحد والعشرين على نعشٍ مزهوا بجهالته؛

اختلط الحابل بالنابل، لا نعرف فرقا بين الثائر والثور…

وباسم فلسطين،

وباسم النفط المحكم استفحل في العرب المكر،

وانتشر الفقر،

الذل، الجهل، السلب ، النهب، الغدر

وباسم فلسطين،

ظهر الزعماء، و الشعراء،

و الفنانون… و الخطباء

والفقهاء

وحَبَاهم بالنعمة والحكمة والأضواء

وباسم فلسطين ضاعت قيم الاستقلال

ولم نفهم سر اللعبه؟

اختلط الحابل بالنابل، والظلمة بالنور

لا نعرف فرقا بين الثائر والثور

لا نعرف، من سمى النكبة

ومن سمى النكسة

ومن سمى الهزائم نصرا

لا نعرف، متى نعرف سر اللعبة..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock