سعيد الكحل يكشف عن: خلفيات مهاجمة الريسوني للحموشي
هاجم سليمان الريسوني في مقالة له بتاريخ 8 يناير2020 السيد عبد اللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لمراقبة التراب الوطني بخلفيات دنيئة أبعد ما يكون عن المهنية والموضوعية.
لم ينطلق سليمان الريسوني في هجومه على السيد الحموشي من تقصير مهني أو اختراق إرهابي أو مافيوزي للأجهزة الأمنية، بل حرّكته دوافع ذاتية وأخرى إيديولوجية سرعان ما انفضح خُبْث المسعى وسوء الطوية.
1 ـ الدوافع الذاتية: رغم محاولة الريسوني الاختباء وراء التظاهر بالدفاع عن الملك، إلا أن هجومه على السيد الحموشي جاء تعبيرا عن دوافع ذاتية/شخصية يمكن توضيح أهمها كالتالي:
أ ــ الانتقام لأسرة الريسوني بعد قضية اعتقال ومحاكمة هاجر الريسوني بتهمة الإجهاض، بحيث يريد تصفية حسابه مع الصحافة التي تابعت قضية هاجر بنشر تفاصيلها إلى الرأي العام، الأمر الذي عدّه “تشهيرا” تقوم به (أغلب جرائد ومواقع التشهير، التي تقتات من موائد السلطة، تنشر، من حين إلى آخر، تقارير يصفها المعنيون بها بأنها تقارير أمنية، تتعلق بالحياة الخاصة للمعارضين والصحافيين والمثقفين المستقلين.). فالريسوني لا يريد للصحافة أن تقوم بدورها خاصة حين يتعلق الأمر بفضح تجار الدين ونفاق حراس الفضيلة الذين يدعون الطهرانية ويرمون خصومهم بالفسق والفجور والانحلال، لكنهم سرعان ما ينفضح تورطهم في قضايا أخلاقية هي من الناحية القانونية “جرائم يعاقب عليها القانون”.
فالمشكل الحقيقي الذي يتجاهله الريسوني هو القانون الجنائي الذي يجرّم عددا من الممارسات التي هي في جوهرها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. وكان أحرى به أن ينتقد ويهاجم حزبه ورئيس حكومته الذي يرفض رفع التجريم عن الحريات الفردية وعن الإجهاض. فمهمة الأجهزة الأمنية والقضائية، في هذا الإطار، هو تطبيق القانون الجنائي الذي يتشبث به حزب العدالة والتنمية ويناهض تغييره.
ولا شك أن الريسوني يدعو إلى تعطيل القانون كلما تعلق الأمر بانحرافات الأهل والعشيرة الحزبية والدعوية، أما باقي المواطنين فلا تهمّه معاناتهم أو نضالاتهم من أجل تغيير القانون.وهذه أكبر إساءة إلى مؤسسات الدولة وإلى المواطنين.
ب ــ الانتقام لبوعشرين الذي لم يكن معارضا سياسيا ولا مناضلا ديمقراطيا بقدر ما كان لسان الإسلاميين “يأكلون به الشوك” ويمرّرون عبره مواقفهم ويسوّغون قراراتهم الحكومية. واعتقاله بتهم الاغتصاب والاتجار بالبشر هو إساءة إليهم وخسارة لهم في نفس الوقت. لهذا هاجم سليمان الريسوني الصحافة التي واكبت أطوار محاكمته ونشرت تفاصيل أساليب الاغتصاب والاستغلال الجنسي، وهاجم من خلالها الأجهزة الأمنية التي اعتقلت بوعشرين وحجزت أدلة إدانته.
فالصحافة بالنسبة إليه التي غطت محاكمة بوعشرين (بشكل مناف لأخلاقيات مهنة الصحافة، (أضافت) توابل الإشاعة والتضخيم، مساهمة منها في القتل الرمزي لمن تعتبرهم خصوما لها قبل أن يكونوا خصوما للسلطة) هي “صحافة السلطة”. فالريسوني يريد من الصحافة والأجهزة الأمنية أن تغض الطرف عن “حميمية” النجار وبنحماد ونفاق أمينة ماء العينين، ومراهقة يتيم وغراميات عدد من رموز وبرلمانيي البيجيدي وفضائحهم المالية والإدارية في عدد من المجالس الترابية.
ج ـ الانتقام لبنكيران الذي أثار سخط المغاربة بحصوله على معاش 7 ملايين سنتم شهريا دون أدنى مساهمة له في صندوق التقاعد. وكان من المفروض أخلاقيا أن يتصدى الريسوني بالرفض والانتقاد لتقاعد بنكيران بدل مهاجمة الصحافة التي نشرت وثيقة تقاعده (ولنتأمل واقعة قيام هذه الصحافة بنشر ظهير تقاعد رئيس الحكومة السابق، مع الإيحاء بأنه تقاعد غير مستحق، ولا ينبغي صرفه له، خصوصا أن المغرب يجتاز ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة… متناسية أن الملك هو من أمر بصرف ذلك التقاعد).
ويا ريت الريسوني ذكّر بنكيران بقرار الرئيس الفرنسي ماكرون التنازل عن تقاعده الرئاسي أو طالب العثماني بسن قانون يلغي تقاعد الوزراء والبرلمانيين لتكاليفه المالية الكبيرة على ميزانية الدولة.
2 ـ الدوافع الإيديولوجية التي أراد بها التغطية على عجز حكومة البيجيدي في تحقيق انتظارات المواطنين مما عرّضها ويعرّضها للنقد والاحتجاج ضدها من طرف كل القطاعات الاجتماعية. وتلعب الصحافة دورا مهما في تنوير الرأي العام وتتبع نواقص وفشل الحكومة، الأمر الذي أغضب الريسوني ودفعته “حميّة الإخوانية” إلى مهاجمة الصحافة ومن خلالها، مؤسسة الأمن وعلى رأسها المدير العام (من نافل القولِ أن جزءا من المهام الموكولة إلى هذا النوع من الصحافة، بل والذي خلقت من أجله أصلا، هو مهاجمة الحكومات، للتشويش عليها… وهذا يكسب صحافة السلطة بعض المصداقية لدى الجمهور غير المسيّس، الذي نزل جزء منه أمام البرلمان لسب العثماني بأبذأ الألفاظ، متوهما أن رئيس الحكومة هو المسؤول عن الساعة الإضافية).
فالريسوني يريد فرض الوصاية على الصحافة حتى يحدد لها المسموح والممنوع تناوله من المواضيع والقضايا بالنشر والتحليل. فهو نفسه أساء إلى الحكومة ورئيسها حين نفى عنهما أي مسؤولية عن الساعة الإضافية. هل نسي سي الريسوني تصريحات رئيس الحكومة ووزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة السابق بنعبد القادر بخصوص نتائج البحث حول فوائد الساعة الإضافية على الاقتصاد الوطني؟ فمن كان يقرر ويحرّك لسانهما؟ وما دور المجلس الحكومي الذي انعقد لمناقشة نقطة واحدة وهي الساعة الإضافية وتثبيتها؟ دستوريا الحكومة ورئيسها مسؤولان مسؤولية كاملة عن كل القرارات التي يتخذانها.
إن الهجوم على المدير العام للأمن هو هجوم على مؤسسة الأمن والمس بمصداقيتها والتشهير بأطرها. ولو أن الريسوني يملك ذرة من الوطنية لنوّه بجهود المؤسسة الأمنية في محاربة وتفكيك الخلايا الإرهابية وإفشال مخططاتها عبر العمليات الاستباقية. تلك الجهود التي جعلت الدول الغربية تطلب خدمات الأجهزة الأمنية المغربية وتستفيد من خبراتها. ولم يكن صدفة قرار الحكومتين الفرنسية والإسبانية تكريم السيد الحموشي والاعتراف له بكفاءته ونجاعة مخططاته الأمنية الاستباقية في حماية بلدانهما من الهجمات الإرهابية. طبيعي، إذن، أن يهاجم الريسوني مؤسسة الأمن ومديرها العام الذي كان له الفضل في تفكيك الخلايا الإرهابية واعتقال عدد من عناصر حزب وحركة الريسوني أعضاء في تلك الخلايا. ولطالما اتهم حزب العدالة والتنمية الأجهزة الأمنية بفبركة ملفات الإرهاب للتضييق عليه، وأسس جمعية حقوقية للدفاع عن العناصر المتورطة في الأعمال الإرهابية.