سعيد الكحل يكتب: هل بنكيران والبيجدي مَلَكِيان؟؟
ألقى عبد الأله بنكيران، رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية كلمة أمام أعضاء اللجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية، يوم الأحد 1 مارس 2020 انتقد فيها سياسة خلفه سعد الدين العثماني وعدد من قراراته، وعلى رأسها الموافقة على قانون الإطار الذي يقضي بفرنسة تدريس المواد العلمية. انطلاقا من كلمة بنكيران يمكن تسجيل التالي:
1 ـ مهما يبلغ الخلاف ويحتد النقد بين قادة البيجيدي، سيحافظ الحزب على وحدته وتماسكه لاعتبارات عديدة أهمها: طبيعة الروابط الداخلية التي تربط بين أعضاء الحزب وقياداته، والتي يلعب فيها الجانب الديني والإيديولوجي الدور المحدِّد للعضوية أكثر من الجانب التنظيمي التقني؛ ثم الخدمات الاجتماعية والمكاسب المادية التي يوفرها الحزب للأعضاء من أبسطها (توفير المساعدة في المناسبات كالأفراح والمآتم) إلى أعلاها ( توفير أقصى ما يمكن من فرص الاستفادة من الريع السياسي كالمناصب والدعم المالي للمقاولات والجمعيات التابعة للحزب والمتعاطفة معه). ومن لم يستفد الآن فهو موعود بالاستفادة لاحقا .
2 ــ مدى مصداقية “مَلَكية” بنكيران وحزب البيجيدي التي وردت في كلمة بنكيران كالتالي “أننا في حزب العدالة والتنمية ملكيون، وْشادّينْ فْالملكية عن قناعة وليس تكتيكا، لأن هذا هو مصلحة البلد”. هل فعلا البيجيدي وقيادته ملكيان ؟ لنترك الوقائع تكشف عن الحقيقة:
أ ــ نشدان دولة الخلافة: إن كتابات بنكيران وعدد من تصريحاته الصحفية تكشف عن تطلعه إلى إرساء دولة الخلافة ونشدانه إقامة حكم الشريعة ، بينما الدولة المدنية أو الديمقراطية فليست هدفا في حد ذاتها وإنما تفرضها ضرورة الافتقار إلى القوة التي تحسم الصراع السياسي وتضمن الاستيلاء على الحكم كما يبينه بعض ما كتبه بنكيران في كتابه (الحركة الإسلامية وإشكالية المنهج) حيث نقرأ (إذا كنا نحلم بالخلافة الراشدة، وهذا أمر مشروع، وكلنا يسعى إليه، وهو واجب علينا كمسلمين) (ص34). والواجب هنا بمعناه الديني أي الفرض الذي يعصى تاركه عن عمد . في انتظار امتلاك القوة يرى بنكيران ضرورة نهج أسلوب المناورة والمساومة مع النظام تقية وخداعا كالتالي (وهذا لا يعني أن الإسلاميين يقدمون تنازلات على حساب الدين، بل الأصح أنهم يقدمون مساومات ومناورات سياسية تخدم الدين في الأخير). من هنا، يقول بنكيران: (كانت المرحلة الأولى من نشأة الحركة الإسلامية قائمة على أساس زرع هذا الحلم في المجتمع الإسلامي ،الذي بإنجازه وتحقيقه سوف يرد لنا حلقة من حلقات ديننا، وهي الخلافة)(ص 43). فاختراق المجتمع والتمكّن منه هو المدخل لتغيير السلطة والسيطرة عليها في مخطط بنكيران (فتغيير السلطة لا يغير الشعب، ولكن تغيير الشعب يغير السلطة، ويغير طبيعة حكم السلطة) . إذن إستراتيجية بنكيران وحزبه تقوم على أسلوبين:
الأول: اختراق المجتمع والتغلغل في مؤسساته الدينية والتربوية والثقافية، أي التمكّن من البنية الإيديولوجية لجعل المواطنين يحملون نفس قناعات وتصورات الحزب، أي أسلمة المجتمع ليسهل الانخراط في المشروع الإسلاموي كما هو واضح من قول بنكيران (نحن نريد تطبيق شرع الله، لكن يجب أن نعمل لذلك بكافة الوسائل: رجال القانون، بتطبيق ذلك. والمربون برفع المستوى التربوي) (ص69).
الثاني: اختراق الدولة ومؤسساتها قصد تمرير عدد من القوانين التي تخدم استراتيجيتهم (نموذج مشروع القانون الجنائي الذي قدمه مصطفى الرميد لما كان وزيرا للعدل والذي رفضته المحكمة الدستورية). وكلما كثر أتباع البيجيدي زادت قوته السياسية والاجتماعية، ومن ثم تتاح له فرص المساومة والابتزاز مثلما حدث في مناسبات منها: مراجعة مدونة الأحوال الشخصية، مراجعة الدستور..).
ب ــ توفير أسباب الاحتقان: بحيث كل الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي اتخذها بنكيران، وهو رئيس الحكومة وسار على نهجه خلفه العثماني، كلها تدفع الأوضاع إلى انفجار (قانون التقاعد، التوظيف بالتعاقد، تحرير أسعار المحروقات، رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية، الإجهاز على الوظيفة العمومية والخدمات الاجتماعية…)
ج ــ من الابتزاز إلى التهديد: ما أورده بنكيران في كتاباته وتصريحاته انتقل إلى ممارسته حين واتته الفرص بحيث هدد النظامَ في مناسبات كثيرة بالنزول إلى الشارع وتفجير أو تغذية الاحتجاجات الاجتماعية كما وقع أثناء صياغة الدستور إذا لم يتم التنصيص دستوريا على أن الإسلام دين الدولة، أو إذا تمت دسترة حرية الاعتقاد. نفس التهديد أطلقه قبيل الانتخابات التشريعية 2016 إذا لم يتصدر حزبه نتائج الانتخابات، وتكرر التهديد بعد صدور نتائج الانتخابات إذا لم يعينه الملك رئيسا لحكومة البيجيدي في ولايتها الثانية.
د ــ تعطيل الدستور: فبنكيران عطل تطبيق الدستور في مواد كثيرة مثل ربط المسؤولية بالمحاسبة باتخاذه قرار “عفا الله عما سلف” مما شجع الفاسدين على مواصلة النهب والتبذير وتعطيل تنفيذ وإنجاز المشاريع الكبرى. وشمل تعطيل الدستور والالتفاف عليه كذلك ما يتعلق بتشكيل هيئة المناصفة التي لازالت الحكومة لم تصدر القانون المنظم لها بعد، وكذا الإصرار على تهميش الأمازيغية ، كلغة رسمية.
هـ ــ التحريض على الكراهية: شعارات البيجدي في المظاهرات عنصرية تحرض على الكراهية (هذا عار واليهودي مستشار)، (خيبر يا يهود جيش محمد سيعود). فرغم رئاسته للحكومة وقيادته للدولة فإن قيادته لم تتخلص من العقائد الإيديولوجية التي تتنافى مع حقوق المواطنة؛ وكذا دعمه لعدد من شيوخ التطرف والتكفير (أبو النعيم، النهاري، القباج..)
و ــ الدفاع عن المتطرفين والإرهابيين: إذ لم يكتف البيجيدي بتبني ملف المعتقلين في قضايا الإرهاب وتعيين مصطفى الرميد محاميا عنهم وهو الذي نفى عن أحد أخطر الإرهابيين ــ يوسف فكري ــ ميولاته المتطرفة والدافع الإرهابي لجرائمه ، بل ناهض قانون الإرهاب واتهم الدولة بفبركة الملفات لمواجهة المد الإسلامي. والرميد نفسه، وهو مسؤول حكومي، حرض المتطرفين على استهداف السياح بمدينة مراكش حين صرح “مدينة مراكش أصبحت تعج بالفساد، وواجب على أهلها محاربته.” وهو ما فعله منفذو عملية “شمهروش” الإرهابية باغتصاب وذبح سائحتين اسكندنافيتين.
ز ــ التصدي للبرامج الملكية في التنمية والتحديث: وتكفي هنا الإشارة إلى ثلاثة نماذج:
1 ــ مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية الذي قدمته حكومة اليوسفي حيث ناهضها البيجيدي بكل قوة وشراسة مكفّرا واضعيها ومؤيديها واستضاف القرضاوي ليستقوي به على خصومه بفتاواه التكفيرية والتي استهدفت هوية الشعب المغربي وعقيدته وتعاملت معه كأقلية مسلمة داخل دولة كافرة.
2 ــ مهاجمته للمبادرة الملكية “انطلاقة” لدعم الشباب المقاول بفتاوى قيادييه التي تحرّم القروض المدعِّمة للشباب، وفي هذا تعطيل لجهود التنمية ومحاربة البطالة والهشاشة.
3 ــ مناهضة رفع تحفظات المغرب عن الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة بالنهوض بأوضاع النساء ومكافحة كل أشكال العنف والتمييز ضدهن (مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية).
4 ــ تعطيل المشاريع التنموية في عدد من مناطق المغرب خاصة المنطقة الشرقية مما أدى إلى انفجار الحراك الاجتماعي احتجاجا على أوضاع التهميش إلى حين التدخل الملكي الذي أقال عددا من الوزراء المسؤولين عن التعطيل فيما كان رئيس الحكومة مكتفيا “بالتبوريد” داخل البرلمان.
كثيرة هي الأمثلة التي تدل على مخططات البيجيدي إلى استهداف الأسس الدينية والاجتماعية والسياسية للملكية في المغرب وتمزيق النسيج المجتمعي عبر إدخال الدين في الصراع السياسي وتوفير أسباب الفتنة المذهبية والطائفية التي دمرت شعوبا ودولا عربية ومزّقت أوصالها.