سعيد الكحل يرد على بلاغ وزارة الأوقاف: أقبح من الزلة…
نشرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على موقعها الرسمي، يوم الاثنين 3 فبراير 2020 ، بلاغا تنفي فيه ما ورد في مقالة لنا حول مسؤوليتها عن غزو التطرف للمؤسسات الدينية.
وأحب، في البداية أن أطمئن مسؤولي الوزارة أن الدافع إلى إثارة هذا الموضوع هو حبي لوطني وحرصي على أمن الشعب المغربي وسلامة مواطنين وخوفي من المآلات التي انتهت إليها الدول التي فرّطت في الأمن الروحي والفكري لشعوبها وسمحت لشيوخ التطرف باعتلاء منابر المساجد واختراق المؤسسات التعليمية والدينية لزرع ثقافة الكراهية وبذور الفتن المذهبية والطائفية.
وشعورا مني بتلك المسؤولية التي يجب أن نتحملها جميعا وفق ما جاء في الخطاب الملكي ليوم 30 يوليوز 2003 (إننا كلنا مسؤولون فرادى وجماعات سلطات وهيآت أحزابا وجمعيات عن البناء الجماعي لمجتمعنا الديمقراطي الحداثي الذي هو مشروع الأمة بأسرها)، فإن واجبي الوطني يفرض علي، كمواطن بسيط، بذل ما في وسعي إلى جانب الإرادات الوطنية الخيرة من أجل إرساء دعائم المجتمع الحداثي الديمقراطي والتصدي لمخاطر التطرف والكراهية.
بهذه الخلفية، أسمح لنفسي دق ناقوس خطر التطرف الذي يغزو المؤسسات والدولة والمجتمع مع انتقاد تردد وزارة الأوقاف في الاضطلاع بكامل مسؤوليتها الدستورية باعتبارها الجهة الرسمية الوحيدة التي تمارس من خلالها إمارة المؤمنين مسؤوليتها في حفظ الملة والدين. لهذا أجدني مضطرا لتذكير كل مسؤولي وزارة الأوقاف، مركزيا، جهويا ومحليا، بالأمور التالية التي فيها مخالفات صريحة للخطابات الملكية وتوجهات إمارة المؤمنين من أجل حماية الأمن الروحي والفكري للشعب المغربي:
1 ــ ورد في البلاغ أن (خطب الجمعة لم تخضع ولا تخضع لأي مراقبة أو رقابة كيفما كانت طبيعتها، وكل خطيب، في جميع مساجد المملكة، حر في اختيار موضوع الخطبة مع مراعاة ضوابط السنة المنصوص عليها في دليل الإمام والخطيب والواعظ، وهي توجيهات وإرشادات لا غير). هذا الكلام لا يستقيم من عدة أوجه أهمها:
أ ــ إنه يشجع على حالة التسيب، سواء في الإفتاء أو الترويج للعقائد المتطرفة أو التحريض على الكراهية، الأمر الذي يجعله مخالفا جملة وتفصيلا لما جاء في الخطب الملكية حول هيكلة الحقل الديني، ومنها ما يلي:
ــ الحسم مع وضعية التساهل والتسيب في خطاب 29 ماي 2003 (لقد دقت ساعة الحقيقة معلنة نهاية زمن التساهل في مواجهة من يستغلون الديمقراطية للنيل من سلطة الدولة أو من يروجون أفكارا تشكل تربة خصبة لزرع أشواك الانغلاق والتزمت والفتنة أو يعرقلون قيام السلطات العمومية والقضائية بما يفرضه عليها القانون من وجوب الحزم في حماية حرمة وأمن الأشخاص والممتلكات).
ويجدر تذكير مسؤولي الوزارة أن حالة التسيب/التساهل التي استغلها المتطرفون هي التي أدت إلى الهجمات الإرهابية ليلة 16 ماي 2003، واستمرار حالة التسيب والتساهل تساعد على توفير البيئة الفكرية لتفريخ مزيد من الخلايا الإرهابية رغم الجهود الأمنية المشكورة والجبارة في الرصد والتفكيك.
ــ التصدي لدعاة التخلف والانغلاق والتطرف (وسيجد خديمه الأول في مقدمة المتصدين لكل من يريد الرجوع به إلى الوراء، وفي طليعة السائرين به إلى الأمام، لكسب معركتنا الحقيقية ضد التخلف والجهل والانغلاق. وهذا ضمن استراتيجيتنا الشمولية المتكاملة الأبعاد بما فيها الجانب السياسي والمؤسسي والأمني المتسم بالفعالية والحزم في إطار الديمقراطية وسيادة القانون. والجانب الاقتصادي والاجتماعي الذي يتوخى تحرير المبادرات وتعبئة كل الطاقات لخدمة التنمية والتضامن. والجانب الديني والتربوي والثقافي والإعلامي لتكوين وتربية المواطن على فضائل الانفتاح والحداثة والعقلانية والجد في العمل والاستقامة والاعتدال والتسامح ). فليس المطلوب من الوزارة ومندوبيها تحديد موضوع الخطبة، ولكن الحرص على التزام الأئمة والخطباء بدليل الإمام الذي وضعته الوزارة وصادق عليه المجلس العلمي الأعلى، واحترام الثوابت التي أجمع عليها الشعب المغربي مع إشاعة روح المحبة والتسامح وتقوية اللحمة الوطنية. لكن ما يروج له كثير من الخطباء والشيوخ من فتاوى التكفير وثقافة الكراهية يسائل وزارة الأوقاف والمجال العلمية عن دورها في مراقبة الخطاب الديني وتحصين الوحدة المذهبية للمغاربة.
ب ــ إنه يناقض ما ينص عليه دليل الإمام من توجيهات وما يضعه من ضوابط تلزم الإمام باحترامها ومنها:
- الإخلاص للأسرة الوطنية الكبرى
- الإيمان بالوطن محبةً وخدمةً
- لزوم النمط الأوسط ونبذ ظاهرة الغلو والتطرف
- ترك الدخول في المضايق المثيرة للفتن
- مشروعية زيارة أهل الأديان الأخرى وعيادة المرضى منهم
- قراءة الحزب الراتب
- الذكر والدعاء جماعة عقب الصلوات
- تجنيب المنبر المعارك الشخصية والسياسية والإعلامية
- تجنب إعلان الفتوى من فوق المنابر
فهل يعلم مسؤولو الوزارة ومندوبوها عدد الخطباء والشيوخ الذين حرّموا الاحتفال برأس السنة الميلادية وتبادل التهاني وكفّروا المحتفلين؟ إن حالة التسيب التي يتواطأ فيها مندوبو الوزارة مع خطباء متطرفين يحرضون على الكراهية تهدد وحدة الشعب وتمزق نسيجه الثقافي والقيمي وتهدد هويته الحضارية والمذهبية. وهل لدى مسؤولي الوزارة علم بالهجمات التكفيرية التي شنها عدد من الخطباء ضد الهيئات النسائية والحقوقية التي طالبت برفع التجريم عن الإجهاض الإرادي وإلحاق الأبناء خارج إطار الزواج بالآباء البيولوجيين؟ وهل يعلم هؤلاء المسؤولين أن قتلة السائحتين الدنماركيتين في مراكش هم خريجو المدارس القرآنية المحلية؟ فمن المسؤول إذن عن مراقبة الخطاب الديني التي تروجه منابر المساجد ودور القرآن التي يمتلكها ويسيرها شيوخ معروفون بتطرفهم ووهابيتهم؟؟ فأين الوزارة من تحصين المدارس القرآنية الذي حرص عليه خطاب الملك بتاريخ 30 أبريل 2004 (وفي هذا السياق، حرصنا على تأهيل المدارس العتيقة، وصيانة وحفظ القرآن الكريم، وتحصينها من كل استغلال أو انحراف يمس بالهوية المغربية)؟
2 ــ جاء في البلاغ نفي لتطرف كثير من الأئمة والخطباء (كما يجدر التأكيد على أن التعيين في المجالس العلمية، رئاسة وعضوية، يخضع لمسطرة وإجراءات يستحيل معها احتمال حصول ما ورد في هذا المقال). طبيعي أن يصدر عن الوزارة هذا النفي طالما لا يرى مسؤولوها التطرف تطرفا ودعاة التطرف متطرفين. أليس مندوبوها من يعينون الأئمة والخطباء وأعضاء المجالس العلمية المحلية؟ أليس أعضاء المجلس العلمي الأعلى هم من أفتوا سنة 2012، بقتل المرتد ضدا على الدستور الذي يقر في ديباجته حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا؟ هل يوجد عالم دين معتدل يفتي بقتل المرتد في عصرنا الحالي، عصر حقوق الإنسان؟ ألا يرى مسؤولو وزارة الأوقاف تبجح مصطفى بنحمزة بهدم الأضرحة وتسوية القبور خروجا عن المذهب وتكريسا لعقائد الوهابية خصوصا بعد أن ألزم الناس بدفن موتاهم في قبور جماعية؟ هل نسي هؤلاء المسؤولين القرار الملكي في خطاب العرش 2003 (إننا لن نقبل ذلك لان هذه المذاهب منافية للهوية المغربية المتميزة. وسنتصدى لمن يروج لأي مذهب دخيل على شعبنا بقوة ما تقتضيه أمانة الحفاظ على الوحدة المذهبية للمغاربة مؤكدين بذلك حرصنا على صيانة اختيارنا لوحدة المذهب المالكي في احترام لمذاهب الغير لان لكل شعب خصوصياته واختياراته.)؟
إن الأمن الروحي بات مهددا أكثر مما كان عليه الوضع سنة 2003، دون أن تتصدى وزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية لشيوخ التطرف ودعاة الكراهية، سواء بمنعهم من اعتلاء منابر المساجد أو محاسبة الذين يتخذون من الإفتاء تجارة وسلاحا لخدمة الأهداف السياسية لجهة حزبية بعينها. وهذا التساهل هو إخلال بالمسؤولية التي حددها الخطاب الملكي في 30 أبريل 2004 (وإدراكا من جلالتنا بأن هذا الركن المؤسسي، لا يمكن أن يستقيم إلا بتعزيزه بالركن التأطيري الفعال، فإننا وضعنا طابعنا الشريف، على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية، في تركيبتها الجديدة، مكلفين وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنصيبها، لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني، بتدبير الشأن الديني عن قرب، وذلك بتشكيلها من علماء، مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها، والجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر). فما العمل الذي تقدمه المجالس العلمية للرد على شيوخ التكفير والكراهية، سواء داخل الجسم الديني الرسمي أو خارجه؟ إن المغاربة يتطلعون إلى مقاربة روحية فعالة نظير المقاربة الأمنية الناجحة تحميهم من خطر التطرف وتتصدى لاستراتيجية الأسلمة والوهبنة التي تستهدف الهوية المغربية في أبعادها الدينية والمذهبية والوطنية والثقافية.
آمل أن تتلقى الجهات المسؤولة في وزارة الأوقاف بروح المسؤولية هذه الانتقادات خدمة للمصالح العليا للوطن.