كرونيك

ريع الشباب والهلوسات المرضية

عادة تكون أحلام الصغار كبيرة ومذهلة.

تتزاحم الرحلات المليئة بالمغامرات، مع المهن المثيرة وحتى المناصب العجيبة والغريبة التي تمنح للبراعم الحالمة ما تراه أجمل وأغلى ما في الدنيا؛ لعب كثيرة وحلوى بحجم الجبال، وربما عطلة لا تنتهي، خالية من الواجبات المنزلية المملة.

أحلام الصغار عجيبة ومدهشة.

تبدأ الأحلام في التعقل، إن جاز هذا التعبير، عاما بعد عام حين يكتشف الشباب تضاريس الواقع المتعرجة والخطيرة أحيانا.

الحياة فعلا صعبة.

الأحلام مثل الحزن. تولد كبيرة لتنكمش بفعل مر الزمن.

الحالمون بكواكب بعيدة قد يكتشفون أن شاطئ طنجة الجميل هو أقصى مكان يمكنهم أن يصلوا إليه شمالا بعد أن أوصدت أوربا أبوابها ونوافذها.

يضطر مئات الشباب لركوب البحر سرا في محاولة للعبور نحو الضفة الأخرى، حيث الحلم.

يرى المغامر على متن مركب متهالك، وسط عشرات من أمثاله، يهتزون ويرتعشون بردا وخوفا وسط اليم، أشياء كثيرة.

يرى فاتنة شقراء تجلس بجانبه في سيارة مكشوفة تحمل ترقيما أجنبيا.

يتلذذ بنظرات الإعجاب والغبطة على وجوه أبناء دواره المعزول والفقير.

تشبه الأحلام أفلام هوليود الستينيات حيث تكون النهاية السعيدة شرطا ملزما وإجباريا لكاتب السيناريو.

أما الحقيقة، فمختلفة تماما. قد تتحول الشقراء المثيرة والسيارة المكشوفة إلى كيس أسود يحضن جثة مجهولة داخل ثلاجة موتى، لا غير.

بعد سنوات الدراسة، يجد كثير من الطلبة المتفوقين أنفسهم في مواجهة البطالة وعصي شرطة محاربة الشغب، إن هم طالبوا بالشغل.

تبدو حينها أحلامهم وقد حولها وضع اقتصادي متذبذب إلى كوابيس مرعبة.

كتب محمود درويش:

عيناك نافذتان على حلم لا يجيء

وفي كل حلم أرمّم حلمًا وأحلم

تفاجئني شبيبة بعض الأحزاب السياسية، تلهث، بلا توقف، خلف توسيع الحصيص المخصص للشباب.

تحلم بريع كرسي البرلمان وريع تقاعد البرلمان بلا خجل أو حياء.

على السياسة أن تخلق الثروة للجميع وتفتح باب الحلم للجميع أيضا.

لا الفقر والكوابيس للغالبية والتعويضات “الباردة” للبعض.

فرق شاسع بين الأحلام المشروعة والهلوسات المرضية.

تظهر كاريزما كبار القادة حين يؤمنون بالأحلام .

في عز القمع السائد ضد السود، خاطب مارتن لوثر كينغ أتباعه عند نصب لنكولن التذكاري في 28 غشت 1963، أثناء مسيرة واشنطن للحرية:

عندي حلم بأنه في يوم ما ستنهض هذه الأمة وتعيش المعنى الحقيقي لعقيدتها الوطنية بأن كل الناس خلقوا سواسية.

عندي حلم كذلك أن هذا الوطن سينهي الريع، كل الريع، نهائيا وبلا رجعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock