نساء

رشيدة تخلع حجابها وفرنسا تكشف عورتها

رشيدة خلعت حجابها، رشيدة وضعت حجابها، رشيدة تتحدى زيمور، رشيدة تمثل على الجمهور، هي مشاهد وفيديوهات تعج بها الشبكة العنكبوتية بعاصمة الأنوار بل كل فرنسا وتعدى صيتها الحدود، فمنذ يوم الإثنين وضعت قناة سي نيوز الإخبارية برنامجا تلفزيا استضاف فيه إيريك زيمور اليميني المتطرف، المرشح المرتقب لسباق الرئاسيات مواطنين في الشارع للنقاش. لكن سقط قناع البرنامج واتضحت معالم المسرحية وظهر الممثلون دون ماكياج كما سقط منديل هذه المرأة.

رشيدة تورط نفسها في تحد غير مسبوق على الملئ، اتضح للجميع أنها مجرد ممثلة مدفوعة الأجر، لتلميع صورة زيمور في حملته السابقة لأوانها، رغم أنها عندما سُئلت مباشرة في برنامج “سيريل حنونا” المنشط الشهير والجريء والوقح أحيانا، عما إذا كانت ممثلة تم توظيفها لهذه المناسبة، أجابت بالنفي.

لكن من ناحية أخرى، تشرح أنها في الحقيقة عملت مع مجموعة “بولوريه”، وهي المجموعة المالكة لقناة سي نيوز التي بثت برنامج خلعت خلاله رشيدة حجابها لتبرهن لزيمور أنها هي، هي، لم تتغير لم تتبدل، ولم تخفي لمنشط البرنامج أنها كانت تعمل فقط كمحاسبة بالمجموعة المذكورة المالكة للقناة المعادية للإسلام، وأن مهمتها انتهت في أواخر سنة 2017.

وتم تصوير أطوار البرنامج المثير بمدينة “درانسي” بالضاحية الباريزية، وهي للتذكير مدينة تعج بالمسلمين، يعني أن اختيار المتدخلين كان سيكون أمرا سهلا للغاية، لو أخذ البرنامج مسارا عاديا. لكن “مورنديني” منشط برنامج العري، والمؤدى عنه حتى لا نقول مجاني عرف كيف يختار الممثلين، وتموضعهم بعناية فوق” خشبة مسرح”.

بدت رشيدة بلباسها ومنديلها الأبيضين، مثل الحجاج لبيت الله، وكأنها جاءت للبرنامج، طلبا للمغفرة والصفح عن ذنوبها أمام الجمهور وملايين المتتبعين، والمذهل أن رشيدة لا تسكن في درانسي بل أتت “معتمرة” من منطقة تبعد بـ 40 كيلومترا، وكأن المسلمات المحتجبات، أضربن عن الخروج من بيوتهن ذلك اليوم، وتركن المجال لها لتأدية مناسكها وطقوسها وحيدة دون زحمة ولا تدافع.

كل شيئ كان يسير بنظام وانتظام فائق، فإدارة إنتاج البرنامج اتصلت بالحاجة رشيدة لتعرض عليها فكرة الظهور لمواجهة إريك زمور في برنامج للدفاع عن ارتداء الحجاب، وقبلت، ويبدو أن الفكرة راقتها جدا إلى درجة خلع حجابها، لتعلن أمام الجميع، أنها تلقت تهديدات بالتصفية الجسدية بعد ذلك، لكن، دون أن يصدم الخبر أحدا، فأمر تهديها بالقتل أهم وأخطر من أن يمر الاعلان عنه مر الكرام في قناة إخبارية، فهو في حد ذاته خبر وسبق صحفي لم يعطى له الحجم الذي كان سيعطى لتهديد شخصية فرنسية من داخل النظام. لكن الجدل الحاصل الٱن ليس في فكرة البرنامج وإنما في الخدعة المحبوكة ومدى صدقه وأهدافه ومراميه.

فكرة البرنامج تتعدى خلع منديل الرأس وهو على فكرة لم يخفي شعرها بالمرة قبل أن تخلعه، لتقدم بذلك، قناة زيمور وزملاءه سابقا خدمة العمر للمرشح الافتراضي الرئاسيات، ولعل الخدمة المقدمة تبتدئ بشخص رشيدة ومعتقداتها  وحتى اسمها الشخصي. فالفكرة، أنه لم يكن فقط على رشيدة خلع حجابها فقط بل تغيير اسمها ففرنسا بها أسماء فرنسية جميلة لمن أراد الاندماج، ومحو جذوره (مثل زيمور).

ليصل البرنامج إلى النتيجة المنتظرة في فصول المسرحية المحبوكة السيناريو والإخراج، وهو تلقي رشيدة لتهديدات بالقتل نتيجة خلعها لحجابها، ربما كان الأمر صحيحا، فجمهور المتشددين لا ينكر وجودهم أحد، لكن إظهار واصطناع حدث بهذه الطريقة الفجة والدنيئة وبأسلوب يخرج حتى عن أدبيات فن المسرح، له كل ما يبرره في هذه الظرفية السياسية بالذات.

تهديد رشيدة، وإن افترضنا جدلا أنه صحيح، سيظهر للناخبين الفرنسيين، أن زيمور كان على حق، وأن الإسلام رمز للحروب وللفتوحات وخضوع المرأة، للآخر، وبالنسبة لأمثال زيمور “الٱخر” ليس الدين بل الرجل المسلم الذي يمكن أن يهدد ويقتل بسبب خلع منديل أو حتى بدون سبب.

لذلك فإن التصويت لصالح إريك زمور هو الخلاص، هو الحصن ضد همجية القرون الوسطى، لأن زيمور سيحمي فرنسا من التحرش، والاغتصاب والعنف… فالتصور “الزيموري” الإسلام هو الرجم، والقتل، وتطليق الزوجة (المفترضة) الخائنة، وتعدد الزوجات والختان، إهانة المرأة بتحجيبها والتجويع بالصيام…

الإسلام حسب الفكر الزيموري، هو إهانة المتبرجات من النساء الفرنسيات بسبب “الملابس الاستفزازية” وطردهم من المتاجر من قبل حراس الأمن الملتحين غالبا، وتحرير أطباء الأسرة شهادات العذرية للتمتع بطقوس العصور الوسطى.

الإسلام الذي يريد زيمور اظهاره لنا هو نفس الإسلام في وسائل الإعلام الفرنسية، هو إسلام أفغانستان، وليس إسلام وجدة والرباط وفاس والبيضاء وغيرها من مدن المغرب الذي تنتمي إليه رشيدة بوخريص، إسلامنا هو دين المتسامح النابع من بلاد الأناقة الأنثوية بالحجاب ودونه، بلاد تتعايش فيها كل الأديان والثقافات منذ قرون. فالظلامية الشمولية منبوذة هناك مثلما ننبذ أفكار زيمور العنصرية هنا. لكن زيمور هو الوحيد ومن يسبح في فلكه من يغذيها ويشعل فتيل نارها كلما ضعفت “الإنارة” على خشبة هذه المسرحية الهزلية السوريالية.

فلم نسمع ولم نرى يوما، من تجرأ من الفرنسيين، وتفوه ولو بنصف كلمة حق لانصاف المسلمين، وهم يجلسون حول بلاطوهات القنوات التلفزية، واضعين مؤخراتهم على كراسي تضيق بها، ليتشدقوا علينا بشعارات المساواة وحقوق المرأة، وحرية المعتقد، متحاشين الحديث عن النساء والشابات المسلمات ممن تعرضن ولا زلن، للعنف والاغتصاب والتهديد بالقتل لأنهن يضعن الحجاب. فأغلب الساسة والصحفيين في فرنسا يغيب عن تفكيرهم، بل يغيبون عنه معاناة المحجبات، ليلبسوا الواقع المرير خمارا أسودا قاتما لستر عورة الجرح الفرنسي وكل الحيف والظلم الذي يتكبده المسلمون، ثم يلقوا به في سلة قمامة جمهورية تدعي اللائكية واحترام ممارسة الديانات كاشفين بذلك عورة فرنسا للعيان يا حسرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock