مدارات

رشا رفعت شاهين تكتب عن الفسيخ المصري: بداية الأنثى فسيخ.. أم تنكيل بالموت…!؟

أول مرة، حسب ما أتذكر، أحضرت والدتي فيها فسيخ، أصابني الذعر من الرائحة،، رائحته كالموت،، أحسست أن أمي قتلت شخصاً ما وتمسك بجثته فرحة بعد حرب شرسة،، بينما علي النقيض كانت عملية تحضير وتنسيق السفرة وتقطيع البصل وفرش مفرش ملون وانواع  أخري من الطعام الحي وترمس أصفر جميل يشبه شروق شمس،، كل ذلك جعلني أشعر بأن الموت ليس كل شيء وأن رائحته لن تغلب روائح الحياة،،

إنها عملية تنكيل بالموت واستهزاء به وبما يفعله في الأجساد،، وأنه، رغم إفساده لتلك الأجساد، إلا أننا مازلنا  نستطيع أن نستمتع  بها  بشكل مختلف، بل وعمل عيد  للاحتفال  بالانتصار عليه،،، وإعادة  إحياء الجثث  بإعادة الاستفادة منها وتزيينها وإحاطتها بالألوان  وبالأشخاص المستهزئين السعداء،، وقتها أيضا، رأيت أن الموت قزم وضئيل  وأننا الأقوى بتجمعنا وفرحتنا وبهجتنا، وأن الفسيخة والجثة المهترئة نتنة الرائحة ربما ترمز  للموت  نفسه  ،،وأكلت  الفسيخ  وانا  شاعرة  بكل قوة  وانني قد  تجددت

‎بداخلي الحياة بعد انتصاري عليه، كطقس وثني تقوم به قبيلة أفريقية بالتهام موتاها حتي تستمر حياتهم في أجساد أولادهم حسب اعتقادهم..

السر الأشد غرابة علي الإطلاق في موضوع الفسيخ والذي لم يلتفت إليه أحد، هو أنه عند فتح الفسيخة فهي تكاد تشبه إلي حد التطابق الجهاز التناسلي الخارجي للإناث،، وكأن الإحتفال بالانتصار علي الموت ولادة جديدة للحياة ،، أو كأننا نستحضر آلهة الخصب والنماء  في الحضارات  القديمة والتي  كان يُرمز لها أحياناً بالأعضاء الأنثوية،، كأننا نخبر الكون بأننا نعرف تماما أن البداية كانت، ربما، أنثي وأنها واهبة للحياة..

ـــــــــــــــــــــــــــ

هامش:

الفسيخ: سمك مُملح يتم تخزينه طوال العام لنأكله في الربيع مع الاحتفال السنوي بعيد شم النسيم وهو عيد مصري قديم نلون فيه البيض ونأكل الخس والفسيخ والملوحة وهو نوع من الاسماك المملحة ايضا واصناف كثيرة مثل البصل الاخضر والترمس المسلوق وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock