سياسية

رئيس الحكومة ما “قدّو فيل زادو فيلة”

في الوقت الذي ينتظر فيه الشعب المغربي من رئيس الحكومة اتخاذ قرارات شجاعة تعيد الثقة للمواطنين في الدولة والمؤسسات الدستورية  وتحرضهم على الانخراط المسؤول في الحياة السياسية العملية، خصوصا في هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة المترتبة عن اجتياح وباء كورونا التي تستوجب شجاعة القرار السياسي لإنقاذ الاقتصاد الوطني، قرر سيادته إحداث الهيأة الوطنية لضبط الكهرباء وهيأة موازية لها لفض النزاعات  بموجب القانون 48.15. إحداث هاتين الهيأتين لا ينص عليه الدستور، ومن ثم لم يكن رئيس الحكومة مجبَرا على إحداثهما لاعتبارين اثنين:

الأول: أن المالية العمومية للدولة لا تسمح أبدا بمزيد من إهدار المال العام، بل تلزم الحكومة بضبط المصاريف وإلغاء التعويضات والعلاوات والإكراميات وتخفيض الأجور العليا ،وفي نفس الوقت الاجتهاد في البحث عن موارد مالية إضافية لمواجهة الانكماش الاقتصادي الذي  يتوقع بنك المغرب وكذا صندوق النقد العربي أن نسبته، خلال السنة الجارية، ستصل إلى 5,2 في المائة. فرئيس الحكومة، المسؤول المباشر على مالية الدولة ، يدرك جيدا انخفاض مداخيل الخزينة العامة بسبب تراجع المداخيل الجبائية إلى نهاية شهر يوليوز المنصرم بنسبة 8.2 بالمائة إلى 116.8 مليار درهم مقارنة ب127.2 مليار درهم خلال الفترة نفسها من السنة الماضية، فضلا عن وضعية الجفاف التي ساهمت في انخفاض نسبة النمو. إلا أن المنشور رقـم 2020/12 الذي أصدره السيد العثماني، والذي هو بمثابة المذكرة التوجيهية لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2021، تغافل كلية عن جوانب هدر المال وتبذيره فيما لا يعود بالنفع والفائدة على خزينة الدولة مثلما هو الحال بالنسبة للدعم المالي المباشر الذي تمنحه الحكومة لكبار الفلاحين لتجهيز الأراضي واقتناء الآليات الفلاحية، فضلا الدعم المهم المخصص لأرباب النقل لتجديد أسطول الحافلات والشاحنات والتأكسيات، علما أن هذا القطاع جد مربح (تم تمديد العمل ببرنامج تجديد أسطول سيارات الأجرة الذي رصدت إليه 2 مليار درهم  إلى 31 دجنبر 2021). وكان أحرى برئيس الحكومة أن يلغي هذا الدعم ويفرض بالمقابل، الضريبة على الفلاحين الكبار والمتوسطين الذين يستنزفون الفرشة المائية وغاز البوتان المدعّم المخصص للاستهلاك المنزلي بينما يوجهون معظم المنتوجات إلى التصدير نحو الأسواق الخارجية مما يرفع من تكاليف المعيشة.

هكذا يتصرف رئيس الحكومة بدون حس وطني فيسارع إلى تشكيل الهيأة الوطنية لضبط الكهرباء التي لا تدعو الحاجة إلى إحداثها، بل كان من المفروض فيه أن يدعم تكنولوجيا الطاقات المتجددة لتخفيض تكلفة اقتنائها على عموم المواطنين، خاصة في العالم القروي.

هذا هو التوجه الذي كان على رئيس الحكومة نهجه لتقليص فاتورة المنتوجات الطاقية ودعم القدرة الشرائية خصوصا بالنسبة للفئات الهشة التي أثبتت جائحة كورونا أنها تشكل غالبية الشعب (بلغ عدد أرباب الأسر المستفيدين من صندوق كورونا 5 ملايين و100 ألف شخص، إذا افترضنا معدل أفراد الأسرة الوحدة هو 5 سنكون أمام 25 مليون مواطن فقير).

الثاني: أن الدولة لديها ما يكفي من المؤسسات والقطاعات لمراقبة وضبط الكهرباء (المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، الوزارة المكلفة بالطاقة وهي الجهة الوصية على المكتب الوطني، وزارة الداخلية الوصية على الجماعات الترابية التي تتولى تدبير قطاع الماء والكهرباء، ووزارة الشؤون العامة المكلفة بمتابعة واقتراح تقنين أسعار الكهرباء. فما فائدة كل هذه القطاعات التي تبتلع جزءا مهما من خزينة الدولة  دون أن تتولى مهم مراقبة وضبط الكهرباء؟ وليعلم رئيس الحكومة أن تعدد القطاعات المتدخلة في الطاقة بكل أنوعها يرفع التكلفة ويفرض العراقيل البيروقراطية ويعطل المحاسبة بسبب تعدد الأطراف المسؤولة، الأمر الذي يجعل تكلفة استهلاك الكهرباء المنزلية أعلى مقارنة مع كل الدول الأوربية قياسا إلى مستوى الدخل الفردي. وإذا كان رئيس الحكومة يراهن على تحرير قطاع الكهرباء لتخفيض سعر الاستهلاك فهو واهم، بدليل عجز الحكومة الفظيع عما يجري في قطاع المحروقات من احتكار وارتفاع الأسعار.

لطالما ندد المواطنون بالنهب الذي يتعرض له المال العام وجمعيات حماية المال العام وحماية المستهل بسبب تجديد أسطول سيارات الوزراء والكتاب العامين ومديري الدواوين فضلا عن تغيير تجهيزات مكاتبهم (رئيس الحكومة السيد العثماني الذي يطالب اليوم بالتقشف خصص  4820 مليار سنتيم للوزراء لاقتناء السيارات الفاخرة وشراء التجهيزات للقطاعات التي يشرفون عليها). وها هو اليوم  يدعو في منشوره الوزراء إلى (عقلنة وتقليص النفقات المتعلقة بالاتصالات، والنقل والتنقل، ونفقات الاستقبال والفندقة وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات، وكذا النفقات المتعلقة باقتناء وكراء السيارات، وكراء وتهييئ المقرات الإدارية وتأثيثها).

“الصيف ضيّعت اللبن” يا رئيس الحكومة؛ فأنت أغرقت البلاد ديونا وهمّشت الكفاءات وتواطأت من ناهبي المال العام ومدّدت العمل بقانون” عفا الله عما سلف” وحميت الفاسدين من المحاسبة والمحاكمة، وأغدقت الريع على أعضاء حزبك. فلا أمل في ما يصدر عنك من قرارات إن لم تلغ التعويضات والامتيازات وتقاعد الوزراء والبرلمانيين مثلما ألغيت الترقيات والتوظيفات، وتوقف الدعم عن كبار الفلاحين وتحارب التهرب الضريبي (حسب تقرير لمكتب “أوكسفام ” لسنة 2019، يخسر المغرب أكثر من 2.45 مليار دولار سنويا نتيجة التهرب الضريبي). فالأموال الممنوحة لكبار الفلاحين وأرباب عربات النقل وسيارات الأجرة، وكذا الإعفاءات الضريبية أحرى برئيس الحكومة أن يوظفها في توفير التغطية الصحية  (حوالي نصف (46 %) السكان النشطين لا يتمتعون بالتغطية الصحية) وخلق فرص الشغل ‘معدل البطالة في صفوف الشباب (ما بين 15 و24 سنة) على المستوى الحضري يصل إلى 42،8%).

جائحة كورونا عرّت ضعف حكومة البيجيدي المتراكم منذ بداية 2012 وعجزها عن محاربة الفساد والنهب والتبذير وتوظيف الكفاءات الوطنية، كما كشفت خطورة إستراتيجية البيجيدي في الإجهاز على الخدمات الاجتماعية، خاصة التعليم والصحة، حيث بات واضحا عجز وزارة الصحة عن السيطرة على الجائحة ومواجهة ارتفاع أعداد المصابين بما يتطلب من الأطقم الطبية والتجهيزات الضرورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock