كرونيك

دردشة فوق الإسمنت..

قبل فرض حالة الطوارئ الصحية بيوم أو يومين، عرجت على صيدلية قريبة لشراء بعض الدواء. صاحبة المحل استبقت تدابير حالة الطوارئ الصحية. طلبت من زبنائها الاصطفاف خارجا وترك مسافة معقولة خوفا من المرض الغامض.

أخذت مكاني خلف من سبقني، وانتظرت دوري مبتهجا بهذه اللوحة الحضارية.

قد أبالغ قليلا، ولكن حدسي أخبرني أن كلبا ما سيفسد كل شيء.

سيمشي بكامل قوائمه الأربع فوق الإسمنت الجميل البراق.

أطل علينا شابان بنظرة متهكمة. رفضا أن يصطفا خارج الصيدلية، بحجة أن الأمر لا يستدعي. فالفيروس مجرد إشاعة.

الصحيح أن كورولا (هكذا بحرف اللام) هي سيارة في الأصل، شرح الأول. أضاف الثاني أن ما يقع في الصين لا يمكن أن يقع في المغرب لأننا مسلمون.

دخل من كان خارج المحل واجتمع القوم دون احتياطات أمام نظرات ذهول وغضب من الصيدلانية المتنورة.

نعم، أفسدنا الإسمنت شر إفساد وغادرنا.

أجزم أن ثمن تهور الشابين لم يكن غاليا حينها. عكرنا مزاج الصيدلانية وقد تكون انتقمت منا ببعض الشتائم المهذبة.

في مرات سابقة، فاتورة الاستخفاف بإجراءات السلامة كانت باهظة.

استحضر بحزن ملعب كرة القدم الذي تحول إلى طوفان من المياه القاتلة. الحاضرون شاهدوا السيل يتقدم ببطيء وينذرهم بموت وشيك. فر من فر، ومات من مات بسبب تهور غير مفهوم بالمرة.

لا أظن أن الاستخفاف بإجراءات السلامة والوقاية حالة نادرة وعابرة.

فقد تطلب الأمر سنة أو أكثر لتطبيق قانون إجبارية حزام السلامة داخل السيارات. قاوم السائقون هذا القانون بقوة ومكر. ولولا الغرامة لما وجدت الحزام أصلا في أية مركبة. علما أن قتلى حوادث السير سنويا ربما يفوقون عددا حالات الانفلونزا.

في الشارع المقابل، حارس السيارات وبعض الباعة يضعون نفس الكمامة لأيام. أصبحت متسخة وباهتة… لا تحميهم من شيء، عدا أداء مخالفة عدم ارتداءها.

راهنت السويد على مواطنيها. لا حجر صحي ولا دوريات شرطة أو عسكر.

السويديون يمارسون التباعد الاجتماعي ويمتثلون لتدابير السلامة عن قناعة وتربية.

نحتاج لأكثر من إنتاج ملايين الكمامات في اليوم لنتباهى أمام الأمم الأخرى.

نحتاج فقط أن نؤمن أن دروس العلم ليست عبثية وأن القوانين لا تنفع في شيء إذا راوغها كل بطريقته.

من الضروري أن يتقيد كل واحد منا بإجراءات السلامة والوقاية في كل مكان وزمان.

تجاوزنا عتبة العشرة ألاف منذ زيارتي للصيدلية المعلومة، وخرجنا من الحجر الصحي كذلك. أصبحت سلامة كل فرد في يد من حوله.

أتمنى هذه المرة، على الأقل، أن يجف الإسمنت قبل أن يتجرأ علي إفساده كلب آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock