مدارات

خلفيات ندوة العدل والإحسان حول التطبيع

قد لا يختلف مغربيان حول كون القضية الفلسطينية، قضية إنسانية / أممية ينبغي السعي إلى حلها داخل أروقة الأمم المتحدة. أما البحث، أو محاولة فرض حلول لها بالعواصم العربية والإسلامية فلن يزيدها إلا تعقيدا ويباعد بين الفلسطينيين وبين حلم إقامة وطن مستقل.

ذلك أن عددا من تلك العواصم لا تريد حلا للقضية ولا وحدة للصف الفلسطيني. لهذا سعت وتسعى لتسليح ودعم فصيل ضد الفصائل الأخرى لتغذية الصراع داخل البيت الفلسطيني.

وميزة المغرب أنه ينأى بنفسه عن أي تدخل في الشأن الداخلي للفلسطينيين، وفي نفس الوقت يدعم صمود الشعب الفلسطيني عمليا وماديا وليس شعاراتيا.

وما إشادة منظمة التعاون الإسلامي، يوم 17 أبريل الجاري، بجهود المغرب ورئيس لجنة القدس جلال الملك إلا دليل قاطع على الالتزام الثابت بالدفاع عن القضية الفلسطينية.

إن متاجرة بعض الأنظمة العربية والإسلامية بالقضية الفلسطينية حوّلها إلى “أصل تجاري” تحتكره تلك الدول التي نصّبت نفسها وصيا على الشعب الفلسطيني، تقرر نيابة عنه.

وسارت على نفس النهج تنظيمات الإسلام السياسي التي تتاجر بالقضية الفلسطينية وتتغذى على مآسي الشعب الفلسطيني، حتى إنها جعلت منها سببا لوجودها ومصدرا لشرعيتها.

في هذا الإطار، وبهذه الخلفية “التجارية” والمضارباتية، تكثف جماعة العدل والإحسان أنشطتها التي ظاهرها “مناصرة” القضية الفلسطينية وباطنها معاداة النظام والتحريض ضده.

فالمغرب، لم يمنع يوما نشاطا تضامنا صرفا مع الشعب الفلسطيني ولا تصدى للمسيرات المليونية المطالبة بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة لهم.

لكن حين يخرج أي نشاط عن إطار التضامن ويستهدف أمن المغرب، فإن من واجب الدولة التصدي له. كذلك كان حين قررت جماعة العدل والإحسان تحويل الحرم الجامعي إلى حلبة للصراع، واستغلاله لمحاكمة النظام والتحريض ضده بهدف ضرب مشروعيته الشعبية والدينية والتاريخية.

إن الجماعة، وبعد قرار منع استغلال جامعة ابن طفيل، نظمت ندوة عن بُعد، يوم الأربعاء 13 أبريل 2022، تحت عنوان “التطبيع مع الكيان الصهيوني.. رهانات الربح والخسارة”، استدعت لها مناهضي النظام وليس مناهضي التطبيع.

فالمفروض في أي جهة تحترم نفسها وتحترم قيم الاختلاف والتعايش، أن توجه الدعوة كذلك لمساندي التطبيع لبسط وجهة نظرهم وإضاءة الجوانب الخلفية التي يخفيها المناهضون. لم يكن الهدف من الندوة تقديم مقاربة موضوعية لمسألة التطبيع ورهاناتها، بل كان التشهير بالدولة وترويج المغالطات والأكاذيب.

إذ لم يُخْفِ مقدّم الندوة الهدف الحقيقي من تنظيمها، وقبْلها النشاط المحبَط الذي كان مقررا تنظيمه برحاب جامعة ابن طفيل أيام 12، 13 و14 أبريل 2022 والذي تم منعه بقرار من رئاسة الجامعة، كالتالي “في الحقيقة كان الغرض من هذا النشاط هو فضح التطبيع الذي يهرول له النظام المغربي معزولا وحده “.

ومادام الهدف هو التشهير والتشويه والتحريض، فإن المداخلات جاءت مليئة بالمغالطات التي تكشف عن سخافتها بذاتها؛ ومنها تلك التي سردها رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، الذي اعتبر أن منع نشاط العدل والإحسان يدخل في “السياق المخزي الذي يتميز بتسليم القرار كلية لجمعية “الأيباك” (جمعية ضغط أمريكية /إسرائيلية).

الآن، أصبح هذا الاختراق الصهيوني وهذا التسونامي التطبيعي يطال كل القطاعات.. ما يفيد أننا الآن بصدد الصهينة الممنهجة.”

بل إن وايحمان سمح لنفسه، بكل وقاحة وخسة، أن يشبه رجال الأمن الوطني في المغرب بعناصر الجيش الإسرائيلي وذلك بـ “إعلان الحرب على كل ما هو فلسطيني والرموز الفلسطينية، على الكوفية الفلسطينية، على الأعلام الفلسطينية، على إحياء الأيام والمناسبات الفلسطينية.”

طبعا كانت عناصر جماعة العدل والإحسان تخطط لاستفزاز رجال الأمن وتصويرهم، أثناء تفريق صفوفهم داخل الكلية، لتقديمهم في صورة ما يفعله الجنود الإسرائيليون. خطط أحبطتها رئاسة الجامعة بقرار منع النشاط. بينما بقي وايحمان على الموقف العدائي للدولة وللنظام بتلفيقاته المخبولة (هناك جهات تتحدث عن وجود قرار لتوطين 2 مليون صهيوني (في المغرب) معناه إعلان إسرائيل.. حنا بصدد احتلال المغرب.. هناك قرار لإعلان إسرائيل جديدة في المغرب.. فهم يخططون للمجيء إلى المغرب وإشعال الحرب بين المغاربة، وبين المغرب والجزائر، فيفكّكون ثم يعيدون التركيب لإعلان ونقل إسرائيل للمغرب).

ومن المشاركين في الندوة عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان محمد حمداوي الذي لم يكتف بتكرار خطاب الجماعة ومواقفها العدائية ضد النظام، بل قدم سيلا من المغالطات حول استراتيجية إسرائيل لاستنزاف التربة والفرشة المائية بالمغرب. الأمر الذي يطرح سؤالا بسيطا على وايحمان والحمداوي: هل يعقل أن تعمل إسرائيل على تدمير مقومات الحياة (خصوبة التربة، الفرشة المائية) في الوطن البديل كما توهمه وايحمان؟ إن العداء للنظام لا يبيح تزوير المعطيات والحقائق كما فعل الحمدواي حين ادعى أن حجم المبادلات التجارية بين إسرائيل والأردن عرفت انخفاضا مهولا، ليبرر مزاعمه بكون الرهان على التطبيع لتحقيق الأرباح رهانا خاسرا (في الأردن.. من الأمور التي دفعت الأردن إلى التطبيع أنها كانت تستورد المواد من الكيان الصهيوني وتنقل كل هذه المواد إلى دول الخليج بطريقة ملتوية تجاوزت 200 مليون دولار.

في السنوات الأخيرة، عندما طبّع الكيان الصهيوني مع دول الخليج، أصبحت تلك السلع تمر مباشرة إلى دول الخليج وقطع نهائيا على الأردن فهبط مستوى التبادل إلى 20 مليون دولار). مزاعم تتبخر أمام البيانات التي أعدها مكتب إسرائيل المركزي للإحصاءات، والتي تظهر احتلال الأردن المرتبة الثانية في حجم التجارة بين إسرائيل والدول العربية، إذ بلغ 224.2 مليون دولار، خلال السبعة أشهر الأولى من 2021، مقارنة مع 136.2 مليون دولار في نفس الفترة من عام 2020. فالمبادلات التجارية بين الأردن وإسرائيل في تزايد، إذ كانت 41 مليون دولار عام 1999، ثم في عام 2000 وصلت إلى 75.5 مليون دولار. ما ينبغي على جماعة العدل والإحسان استيعابه هو أن المغرب له قضيته الوطنية الأولى التي قدم الشعب من أجلها التضحيات الجسام.

لهذا لا يمكنه أن يضيع أي فرصة أو مبادرة تقوي موقفه وتحمي أمنه ضد كل التهديدات، خصوصا الآتية من الجيران والتي لا يقدّر خطورتها إلا الوطنيون الغيورون على وطنهم. أما القضية الفلسطينية فلن تجد حلها إلا بعد أن يستقل الفلسطينيون بقرارهم الوطني وتُرفع أيدي الوصاية والتحكم عنهم.

ولعل المكاسب الدبلوماسية والعسكرية (تطهير الڴرڴرات، تمديد الحزام الأمني إلى الحدود الموريتانية ليشمل الأراضي العازلة، منع كل أنشطة البوليساريو شرق الجدار الأمني، تزويد المغرب بأحدث الأسلحة وأكثرها تطورا، توطين الصناعات الحربية خاصة في مجال الطيران..) التي حققها المغرب ويحققها منذ قرار استئناف العلاقات مع إسرائيل وتوقيع الإعلان الثلاثي، خير رد على ترّهات الجماعة ومناهضي التطبيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock