تميز الخطاب الملكي، بمناسبة الذكرى 47 للمسيرة الخضراء، بتركيزه على أهمية الجميع بين مسارين أساسيين ومتكاملين يشكلان جوهر الدفاع عن الوحدة الترابية، وهما المسار السياسي والدبلوماسي، ثم المسار التنموي الشامل كالتالي “فإن توجهنا في الدفاع عن مغربية الصحراء، يرتكز على منظور متكامل، يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة”.
ويتجلى هذا التكامل بين المسارين في النتائج الهامة التي تحققت على مختلف المستويات. إذ تمكن المغرب من كسب الدعم الأممي والدولي لمقترح الحكم الذاتي، سواء داخل مجلس الأمن أو في الأمم المتحدة، خصوصا بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وفتح أزيد من ثلاثين قنصلية دولية بمدينتي العيون والداخلية.
الأمر الذي أصاب خصوم وحدتنا الترابية بالسعار، خصوصا بعد فشل كل محاولاتهم للتشويش على النجاحات الدبلوماسية التي حققها المغرب. هذه المكاسب الدبلوماسية تستند إلى الجهود التنموية التي أطلق ديناميتها جلالته في مناسبتين متتاليتين (نونبر 2015، فبراير 2016)، و” يتعلق الأمر ببرنامج تنموي مندمج، بغلاف مالي يتجاوز 77 مليار درهم، ويهدف إلى إطلاق دينامية اقتصادية واجتماعية حقيقية، وخلق فرص الشغل والاستثمار، وتمكين المنطقة من البنيات التحتية والمرافق الضرورية..
واليوم، وبعد مرور حوالي سبع سنوات على إطلاقه، فإننا نثمن النتائج الإيجابية، التي تم تحقيقها، حيث بلغت نسبة الالتزام حوالي 80 في المائة، من مجموع الغلاف المالي المخصص له”.
فالخطاب الملكي، استغل هذه المناسبة الوطنية الهامة، ليقدم حصيلة إنجاز البرنامج التنموي الجبار الذي استطاع المغرب تنفيذه في أقاليمه المسترجعة بإمكاناته الذاتية، وبقناعته الراسخة بأن تنمية المغرب وازدهاره مرتبطة بتنمية وازدهار أقاليمه الصحراوية المسترجعة. وفي ذلك رسالة إلى خصوم وحدتنا الترابية مفادها أن كل مؤامراتهم ضد المغرب، والحرب التي يفرضونها عليه لم تزد شعبه إلا وحدة وتعبئة لمواجهة مخططات الأعداء بتطوير المشاريع التنموية المهيكلة التي لن تزيدهم إلا حقدا وحسدا (إنجاز الطريق السريع تيزنيت – الداخلة، الذي بلغ مراحله الأخيرة، وربط المنطقة بالشبكة الكهربائية الوطنية، إضافة إلى تقوية وتوسيع شبكات الاتصال. كما تم الانتهاء من إنجاز محطات الطاقة الشمسية والريحية المبرمجة.. توفير وتطوير أزيد من ستة آلاف هكتار، بالداخلة وبوجدور، ووضعها رهن إشارة الفلاحين الشباب، من أبناء المنطقة).
وحمل الخطاب الملكي بشرى قرب انطلاق أشغال بناء الميناء الكبير الداخلة – الأطلسي بتكلفة 12.5 مليار درهم، والذي يراهن عليه المغرب في جعل الواجهة الأطلسية بجنوب المملكة واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي والإشعاعين القاري والدولي، فضلا عن إطلاق دينامية اقتصادية وتنموية شاملة في الأقاليم الجنوبية (توفير حوالي 183 ألف منصب شغل في أفق 2030، دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصناعية في جميع القطاعات الإنتاجية: الصيد البحري، الزراعة، التعدين، الطاقة، السياحة، التجارة، الصناعات التحويلية..).
وسيمكّن هذا المشروع الضخم من جعل الواجهة الأطلسية للجنوب المغربي واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي والإشعاعين القاري والدولي، إلى جانب ميناء طنجة المتوسط، تنفيذا للرؤية الملكية كما وردت في خطاب الذكرى 45 للمسيرة الخضراء “وانطلاقا من هذه الرؤية، ستكون الواجهة الأطلسية، بجنوب المملكة، قبالة الصحراء المغربية، واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي. فإضافة إلى ميناء طنجة -المتوسط، الذي يحتل مركز الصدارة، بين موانئ إفريقيا، سيساهم ميناء الداخلة الأطلسي، في تعزيز هذا التوجه”. الأمر الذي سيعزز دور المغرب كملتقى طرق اقتصادي قاري ودولي.
كما تضمن الخطاب الملكي رسالة تطمين لأصدقائه بكون مخطط الحكم الذاتي بات أمرا واقعا من خلال الجهوية الموسعة التي تجسدها المؤسسات الصحراوية المنتخبة والجهود التنموية الجبارة في الأقاليم الجنوبية التي تساهم فيها باقي الجهات في إطار التعاون والتضامن، وفق ما ينص عليه الدستور والقانون التنظيمي للجهات.
إن المنظور الملكي للتنمية في الأقاليم الصحراوية يتجاوز بُعده الوطني ليمتد إلى ما هو قاري؛ بحيث جعل البعد الوطني والقاري متكاملين ويكاد أحدهما يشرُط الآخر. وبهذا يعطي المغرب المعنى الحقيقي للتضامن الإفريقي، كما يجعل امتداده الجغرافي يخدم مشروعه التنموي الطموح لفائدة عموم القارة الإفريقية، والذي يجعلها تستفيد من ثرواتها في بناء الإنسان والاقتصاد وفك الارتباط بقوى الاستغلال الدولية. بل إن المغرب، في إطار المنظور الملكي، يسعى لتشكيل تكتلات اقتصادية وازنة على المستوى القاري والدولي. وفي هذا الإطار تأتي أهمية المكاسب الدبلوماسية في دعم إستراتيجية المغرب التنموية في إفريقيا. إذ بفضل الحسم دبلوماسيا في مغربية الصحراء تحمّست الدول المطلة على المحيط الأطلسي لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب لما للمغرب من مصداقية دولية والتزام بالدفاع عن مصالح إفريقيا. ويساعد المغرب في كسب ثقة الدول الإفريقية، العلاقات الروحية والاقتصادية والحضارية والتاريخية التي تربطه بها والتي “شكلت الصحراء المغربية عبر التاريخ، صلة وصل.. بين المغرب وعمقه الإفريقي”.
هذا الرصيد الغني يعمل المغرب على استثماره في التنمية كما قال جلالته (وإننا نسعى، من خلال العمل التنموي الذي نقوم به، إلى ترسيخ هذا الدور التاريخي، وجعله أكثر انفتاحا على المستقبل). هذا البعد المستقبلي في إستراتيجية المغرب نحو إفريقيا يترجمه مشروع أنبوب الغاز الذي سيربط 15 دولة إفريقية وسيوحد مصالحها ويقوي مواقفها تجاه القوى العظمى. فالعلاقات المتميزة التي تربط المغرب بالدول الإفريقية مكنته من إبرام اتفاقيات إستراتيجية ذات أبعاد اقتصادية وتنموية مهمة، مثل التزام المكتب الشريف للفوسفاط بضمان توفير الأسمدة الملائمة لفائدة 44 مليون فلاح في 35 دولة في جميع أنحاء القارة للرفع من المردودية. ولعل أهم اتفاقية تاريخية هي تلك المتعلقة بمشروع الغاز النيجيري – المغربي نحو أوربا، والذي يعتبره جلالته أكثر من مشروع ثنائي (فإننا نعتبر أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب، أكثر من مشروع ثنائي، بين بلدين شقيقين. وإنما نريده مشروعا استراتيجيا، لفائدة منطقة غرب إفريقيا كلها، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 440 مليون نسمة).
لهذا يراهن عليه المغرب لما يكتسيه من أهمية قصوى في مجال توفير الشغل وضمان الأمن الطاقي وخلق فرص التنمية الشاملة لفائدة هذه الساكنة، فضلا عن دعم السلم والسلام. فالمشروع سيلعب أدوارا أساسية على مستويات عدة، إذ، إضافة إلى دوره في توفير الطاقة للدول التي يمر منها، فإنه سيوحد مصالحها الاقتصادية ومواقفها السياسية ضمن تكتل قاري مهم قادر على مواجهة التحديات المتمثلة في الهشاشة والفقر والتمرد/الانفصال، والإرهاب والاتجار في المخدرات والبشر.
الأمر الذي سيوفر لها الأمن ويشجع على الاستثمار خصوصا وأن ساكنة من 440 مليون نسمة تشكل سوقا استهلاكية مغرية للدول وللشركات الكبرى. كل هذه المكاسب الدبلوماسية والإنجازات التنموية والمشاريع الاقتصادية الكبرى تتطلب تعبئة وطنية قوية ومتواصلة من أجل تعزيزها والتصدي للمخططات العدائية بنفس الروح الوطنية العالية التي لبى بها الشعب المغربي نداء المسيرة الخضراء حين دعاه إليها الملك الراحل الحسن الثاني.