كرونيك

خريف تساقط الوعود

ذكرني تساقط أوراق الأشجار امتثالا لقانون الفصول، بيومية بوعياد الشهيرة.

حين يصل شهر اكتوبر، معلنا الخريف، تكون اليومية المذكورة قد أصابها الهزال بعد ان فقدت تلثي اوراقها.

كل ورقة تحمل حكمة ما.

يستمتع صاحب اليومية بقراءة الكلمات المطبوعة على ظهر الورقة، قبل أن يلقيها، غير مبال، في أقرب سلة مهملات، أو في الطريق العام.

بعد ان ينتهي العام، لا يتذكر صاحب اليومية إلا نزرا قليلا مما صادف من أقوال وحكم في يوميته .

في السياسة هناك فصول أيضا، وخريف يعصف بما تبقى من كلام ووعود لم تتحقق.

يراهن السياسيون على النسيان وعلى الوعود.

ثم حين يستوطنون المناصب المنشودة، يشغلون طاقما من المساعدين يختص في إنتاج كلام غامض وعصي على الفهم.

مثلا، حين يصرح أحدهم أنه سيتخذ قرارا مؤلما، وأنه مستعد لتحمل تبعات قراره، يفهم بعض خفاف العقول أنه يتحدث عن نفسه.

في لغة السياسيين، الألم والحرمان والتقشف يتحملهم دائما الناخب، ولوحده.

فلا يعقل أن يشمل القرار امتيازات السياسي ومن معه.

حين يتحدث السياسي عن إصلاح شيء ما، على الناخب أن يتوقع إفسادا تاما وتخريبا ممنهجا، لا إصلاحا.

ففي السياسة، الكلمات غريبة وغامضة.

أما الوعود فكثيرة وتناسب كل الفئات.

خلال انتخابات سابقة بالجارة الجزائر، وعد مرشح ناخبيه بتسهيل تعدد الزوجات، وآخر وعد بصناعة طائرة محلية، فيما وعد مرشحون اخرون في انتخابات أمريكا توفير الماريخوانا وجعلها قانونية.

تكثر وعود بناء القناطر في برامج انتخابات أجمل بلد في العالم، و لحقيقية ان القنطرة الوحيدة التي يراها الناخبون بعد فوز صاحب الوعد،هي ظهورهم المنهكة والفقيرة التي يمر الفائز فوقها ،في طريقه الى مقعد وثير بالعاصمة الرباط.

دقت ساعة الحقيقة، إذن.

تتساقط كل الأوراق، حتى اوراق التوت التي كانت تستر عيوب الأحزاب الحكومية مجتمعة.

إنه الخريف.

تتساقط الوعود من أشجار الوزراء ورؤساء البلديات والمقاطعات وكل المنتخبين، ومن يشاركهم من تكنوقراط وأصحاب المظلات الحزبية.

ها هي يومية بوعياد الحكومية تتناقص يوما بعد يوم، فيما تغلي جل الأحزاب بحرارة نقاشات لا تبتغي سوى المزيد من الكراسي البرلمانية، لمزيد من “الإخوان” أو من “الرفاق”، لا فرق.

تظهر في فصل الخريف فواكه جميلة وشهية، مثل التفاح والبرتقال.

ربما، يخجل هذا الفصل من مزاجه المتقلب بين الريح والمطر والشمس، فيهدي الناس ما طاب ولذ من فاكهة استرضاء لهم.

أما خريف الحكومة، فلا برتقال ولا تفاح فيه. إنه صحراء قاحلة لا ماء فيها، يسكنها وزراء منشغلون بترتيب مزيد من “الإصلاحات” للتطاول على رواتب وتقاعد الموظفين، وتسمين القطاع الخاص على حساب القطاع العام الهزيل والمتهالك أصلا.

ما يجعل الخريف مستحملا هو بشارة شتاء ماطر يغسل ويكنس آثار الأوراق الميتة، حتى يتسنى لربيع قادم أن ينشر زهره وورده.

نحتاج أن نحلم بفصل مشمس ودافئ مثل الربيع، حتى نتمكن من التعايش مع هذا الخريف المتعب والطويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock