خالد امجولي يكتب: الجزائر وعقدة الأُبُوَّة المغربية: هذه هي وصفة الحل
إن ما يثير انتباه المتتبع للشأن المغاربي وللمنطقة عموما، هو سلوكيات حكام الجزائر على الخصوص وما يرافقها من عداء للمملكة المغربية حد الهوس، بل إن كل قرارات وتصريحات العسكر في الجزائر تجاه المغرب لم ترق يوما إلى مستوى حكمة وهدوء المؤسسة الملكية ولا لحرفية الدبلوماسية المغربية، وخصوصا خلال السنوات الأخيرة، ولا بد من البحث عن الأسباب الموضوعية الكامنة وراء هذه الظاهرة، التي أضحت حالة مرضية.
إن ما يجب استحضاره، هو أن الطرفين المغربي والجزائري لا ينهلان من نفس القاموس المعرفي ولا من نفس الإرث التاريخي والسياسي، فالمملكة المغربية تتميز بغنى تاريخ قرون من أشكال حكم الدولة، راكمت خلالها قاعدة بيانات وتجارب، عبر تمددها، وعبر جميع الأزمات الاقتصادية والسياسية والتاريخية من حروب وكوارث طبيعية وأوبئة وصراعات داخلية وخارجية، وعبر ثقافة دبلوماسية عريقة.
بل إن قطار المملكة يسير عبر التاريخ دون أن يتعثر مساره جراء الأحداث المحيطة بالبلد أو يكترث بتصريحات أو مواقف متقلبة، وبالتالي، فإن الدولة المغربية حافظت وتمتعت باستمراريتها عبر قرون من الزمن، في المقابل نجد أن الدولة الجزائرية ماهي إلا حديثة النشأة، لقد انتقلت من بلاد قبائل مستعمرة إلى دولة، حيث تأسست هذه الأخيرة سنة 1963 بعد انتخاب أول رئيس لها من أصول مغربية، الرئيس احمد بن بلا، حيث كانت بلاد الجزائر خاضعة للحكم العثماني قبل فترة الاستعمار الفرنسي 1830، وقد كانت في فترات قبل ذلك تعيش في منطقة نفوذ المملكة .
في اعتقادي، أن ما يتحكم في طبيعة سلوكات حكام الجزائر تجاه المغرب، هو أزمة هوية وثقافة بدرجة أولى، فالجزائر وجدت نفسها بعد فترة الاستعمار، تفتقر إلى شروط ومواصفات الأمة وإلى تاريخ جمعي يرقى إلى تاريخ الأمم، خارج تاريخ التبعية أو الاحتلال، وبالتالي، كانت بلاد الجزائر تابعة ثقافيا ومرتبطة أكثر ومتأثرة بتاريخ الدولة الشريفة.
لقد كانت إحدى محاولات بناء تاريخ افتراضي للدولة الجزائرية، هي مقولة بلاد المليون شهيد، والتي روجها جمال عبد الناصر وجبهة التحرير الوطنية وعدد من أبناء الحركة الوطنية المغربية، وهي أصلا لم تثبت صحتها في التاريخ، بل لم تكن إلا إحدى مداعي الافتخار الوهمية للحركة القومية العربية آنذاك.
إن الجزائر، وهي تترنح تحت حكم العسكر منذ سنوات، تجد نفسها اليوم غير قادرة على مسايرة التحولات والانعطافات والتطورات السريعة التي تعرفها المنطقة والعالم عموما، بل إن مصيرها مرتبط بمصير الجنرالات، بقايا الاستعمار الفرنسي، وهي اليوم تعيش تحت أمل ورحمة العامل البيولوجي بدرجة أولى.
إن الجزائر اليوم، وفي عمق أزمة الهوية، التي تعيش وتتحكم فيها، أضحت كالطفل المتخلى عنه، الذي لا يمكنه إلا أن يراقب صباح مساء الأب الافتراضي، ولا يملك إلا أن يوجه إليه، في كل فرصة، أشكالا من الاحتجاج والتمرد الصبياني والطائش.
إن الجزائر، وهي تعلن اليوم قطع علاقاتها مع المملكة المغربية، لهي في حاجة حقيقية إلى بناء دولة مدنية مستقلة كليا، ومتحررة من عقدة الأبوة المغربية، وليس امامها من خيار سوى الاندماج في التحولات والإقلاع الاقتصادي في المنطقة، بعيدا عن المتاجرة بأرواح وأزمات إنسانية، وهي مدعوة كذلك للاستجابة لمطالب وتطلعات الشعب الجزائري أولا وشعوب المنطقة على العموم.
أما فيما يتعلق بعقدة التاريخ، فلا دير أن تستفيد الجزائر من عدة نماذج أصبحت قوى اقتصادية في العالم، بدون عقدة التاريخ المعيقة للتطور، وبالتالي فإن الطغمة الحاكمة في الجزائر اليوم، مدعوة إلى الاستثمار في مجال الإبداع السينمائي بذكاء، لبناء تاريخ افتراضي مجيد…!